ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ. قَالَ: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف: ١٨] أَيْ: لِمَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَهَابَةِ وَالْجَلَالَةِ فِي أَمْرِهِمُ الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ، وَلَعَلَّ الْخِطَابَ هَاهُنَا لِجِنْسِ الْإِنْسَانِ الْمُخَاطَبِ، لَا لِخُصُوصِيَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَقَوْلِهِ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} [التين: ٧] . أَيْ: أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ طَبِيعَةَ الْبَشَرِيَّةِ تَفِرُّ مِنْ رُؤْيَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَهِيبَةِ غَالِبًا، وَلِهَذَا قَالَ: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف: ١٨] ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْمُعَايَنَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ; لِأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ حَصَلَ وَلَمْ يَحْصُلِ الْفِرَارُ وَلَا الرُّعْبُ. ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ بَعَثَهُمْ مِنْ رَقْدَتِهِمْ بَعْدَ نَوْمِهِمْ بِثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْعِ سِنِينَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: {كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: ١٩] أَيْ: بِدَرَاهِمِكُمْ هَذِهِ، يَعْنِي الَّتِي مَعَهُمْ، إِلَى الْمَدِينَةِ. وَيُقَالُ، كَانَ اسْمُهَا دَفْسُوسَ. {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: ١٩] أَيْ: أَطْيَبَ مَالًا {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: ١٩] أَيْ: بِطَعَامٍ تَأْكُلُونَهُ، وَهَذَا مِنْ زُهْدِهِمْ وَوَرَعِهِمْ {وَلْيَتَلَطَّفْ} [الكهف: ١٩] أَيْ: فِي دُخُولِهِ إِلَيْهَا {وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: ١٩] أَيْ: إِنْ عُدْتُمْ فِي مِلَّتِهِمْ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَكُمُ اللَّهُ مِنْهَا ; وَهَذَا كُلُّهُ لِظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ رَقَدُوا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْسَبُوا أَنَّهُمْ قَدْ رَقَدُوا أَزْيَدَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَقَدْ تَبَدَّلَتِ الدُّوَلُ أَطْوَارًا عَدِيدَةً، وَتَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَذَهَبَ أُولَئِكَ الْقَرْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute