دِمَشْقَ وَالشَّامِ، كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلْخَ ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ اسْتِقْلَالُهُ بِمُلْكِ دِمَشْقَ لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَكَانَ شُجَاعًا بَاسِلًا عَالِمًا فَاضِلًا اشْتَغَلَ فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْحَصِيرِيِّ مُدَرِّسِ النُّورِيَّةِ، وَفِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ عَلَى تَاجِ الدِّينِ الْكِنْدِيِّ، وَكَانَ مَحْفُوظُهُ " مُفَصَّلَ الزَّمَخْشَرِيِّ "، وَكَانَ يُجِيزُ مَنْ حَفِظَهُ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا، وَكَانَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ كِتَابٌ فِي اللُّغَةِ يَشْمَلُ " صِحَاحَ الْجَوْهَرِيِّ "، وَ " الْجَمْهَرَةَ " لِابْنِ دُرَيْدٍ، وَ " التَّهْذِيبَ " لِلْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ أَنْ يُرَتَّبَ لَهُ مُسْنَدُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَكَانَ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ وَيُكْرِمُهُمْ، وَيَجْتَهِدُ فِي مُتَابَعَةِ الْخَيْرِ، وَيَقُولُ: أَنَا عَلَى عَقِيدَةِ الطَّحَاوِيِّ. وَأَوْصَى عِنْدَ وَفَاتِهِ أَنْ لَا يُكَفَّنَ إِلَّا فِي الْبَيَاضِ، وَأَنْ يُلْحَدَ لَهُ، وَيُدْفَنَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَا يُبْنَيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ: وَاقِعَةُ دِمْيَاطَ أَدَّخِرُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَرْجُو أَنْ يَرْحَمَنِي بِهَا. يَعْنِي أَنَّهُ أَبْلَى فِيهَا بَلَاءً حَسَنًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ جُمِعَ لَهُ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالسَّمَاحَةِ وَالْبَرَاعَةِ وَالْعِلْمِ وَمَحَبَّةِ أَهْلِهِ، وَكَانَ يَجِيءُ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ إِلَى تُرْبَةِ وَالِدِهِ، فَيَجْلِسُ قَلِيلًا، ثُمَّ إِذَا ذَكَرَ الْمُؤَذِّنُونَ يَنْطَلِقُ إِلَى تُرْبَةِ عَمِّهِ صَلَاحِ الدِّينِ، فَيُصَلِّي فِيهَا الْجُمُعَةَ.
وَكَانَ قَلِيلَ التَّعَاظُمِ يَرْكَبُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَلْحَقُهُ بَعْضُ غِلْمَانِهِ سَوْقًا، وَقَالَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ أَبِي السُّعُودِ الْبَغْدَادِيُّ:
لَئِنْ غُودِرَتْ تِلْكَ الْمَحَاسِنُ فِي الثَّرَى ... بَوَالٍ فَمَا وَجْدِي عَلَيْكَ بِبَالِ
وَمُذْ غِبْتَ عَنِّي مَا ظَفِرْتُ بِصَاحِبٍ ... أَخِي ثِقَةٍ إِلَّا خَطَرْتَ بِبَالِي
وَمَلَكَ دِمَشْقَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ النَّاصِرُ دَاوُدُ بْنُ الْمُعَظَّمِ، وَبَايَعَهُ الْأُمَرَاءُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute