للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ: هُمْ أَهْلُ أَيْلَةَ. زَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيْنَ مَدْيَنَ وَالطُّورِ. قَالُوا: وَكَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ التَّوْرَاةِ فِي تَحْرِيمِ السَّبْتِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَكَانَتِ الْحِيتَانُ قَدْ أَلِفَتْ مِنْهُمُ السَّكِينَةَ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الِاصْطِيَادُ فِيهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الصَّنَائِعِ وَالتِّجَارَاتِ وَالْمَكَاسِبِ، فَكَانَتِ الْحِيتَانُ فِي مِثْلِ يَوْمِ السَّبْتِ يَكْثُرُ غَشَيَانُهَا لِمَحِلَّتِهِمْ مِنَ الْبَحْرِ ; فَتَأْتِي مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا ظَاهِرَةً آمِنَةً مُسْتَرْسِلَةً فَلَا يُهَيِّجُونَهَا وَلَا يَذْعَرُونَهَا. {وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ} [الأعراف: ١٦٣] وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَصْطَادُونَهَا فِيمَا عَدَا السَّبْتِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ} [الأعراف: ١٦٣] أَيْ: نَخْتَبِرُهُمْ بِكَثْرَةِ الْحِيتَانِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ. {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: ٥٩] أَيْ: بِسَبَبِ فِسْقِهِمُ الْمُتَقَدِّمِ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ احْتَالُوا عَلَى اصْطِيَادِهَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ، بِأَنْ نَصَبُوا الْحِبَالَ وَالشِّبَاكَ وَالشُّصُوصَ، وَحَفَرُوا الْحُفَرَ الَّتِي يَجْرِي مَعَهَا الْمَاءُ إِلَى مَصَانِعَ قَدْ أَعَدُّوهَا، إِذَا دَخَلَهَا السَّمَكُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا جَاءَتِ الْحِيتَانُ مُسْتَرْسِلَةً يَوْمَ السَّبْتِ، عَلِقَتْ بِهَذِهِ الْمَصَايِدِ، فَإِذَا خَرَجَ سَبْتُهُمْ أَخَذُوهَا، فَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ ; لَمَّا احْتَالُوا عَلَى خِلَافِ أَمْرِهِ، وَانْتَهَكُوا مَحَارِمَهُ بِالْحِيَلِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرَةٌ لِلنَّاظِرِ، وَهِيَ فِي الْبَاطِنِ مُخَالَفَةٌ مَحْضَةٌ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ افْتَرَقَ الَّذِينَ لَمْ يَفْعَلُوا فِرْقَتَيْنِ ; فِرْقَةٌ أَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ صَنِيعَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>