وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ الْمُبَارَكَةِ عُمِلَ عَزَاءُ وَاقِفِ الْبَاذَرَائِيَّةِ بِهَا الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاذَرَائِيِّ الْبَغْدَادِيِّ مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ، وَرَسُولِ الْخِلَافَةِ إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَإِصْلَاحِ الْأَحْوَالِ الْمُدْلَهِمَّةِ، وَقَدْ كَانَ فَاضِلًا بَارِعًا رَئِيسًا وَقُورًا مُتَوَاضِعًا، وَقَدِ ابْتَنَى بِدِمَشْقَ مَدْرَسَةً حَسَنَةً مَكَانَ دَارِ الْأَمِيرِ أُسَامَةَ، وَشَرَطَ عَلَى الْمُقِيمِ بِهَا الْعُزُوبَةَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْفَقِيهُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمَدَارِسِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ تَوْفِيرَ خَاطِرِ الْفَقِيهِ وَجَمْعِيَّتَهُ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، وَلَكِنْ حَصَلَ بِذَلِكَ خَلَلٌ كَثِيرٌ وَشَرٌّ لِبَعْضِهِمْ كَبِيرٌ، وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ بِالشَّامِ وَغَيْرِهَا بُرْهَانُ الدِّينِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ مُدَرِّسُ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَابْنُ مُدَرِّسِهَا، يَذْكُرُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ الْوَاقِفُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ دَرَّسَ بِهَا، وَحَضَرَ عِنْدَهُ السُّلْطَانُ النَّاصِرُ، قُرِئَ كِتَابُ الْوَقْفِ، وَفِيهِ: وَلَا يَدْخُلُهَا امْرَأَةٌ. فَقَالَ السُّلْطَانُ: وَلَا صَبِيٌّ؟ فَقَالَ الْوَاقِفُ: يَا مَوْلَانَا، رَبُّنَا مَا يَضْرِبُ بِعَصَاتَيْنِ. فَإِذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ تَبَسَّمَ عِنْدِهَا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَانَ هُوَ أَوَّلَ مَنْ دَرَّسَ بِهَا، ثُمَّ وَلَدُهُ كَمَالُ الدِّينِ مِنْ بَعْدِهِ، وَجَعَلَ نَظَرَهَا إِلَى وَجِيهِ الدِّينِ بْنِ سُوَيْدٍ، ثُمَّ صَارَ فِي ذُرِّيَّتِهِ إِلَى الْآنَ. وَقَدْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الصَّائِغِ، ثُمَّ انْتُزِعَ مِنْهُ حَيْثُ أَثْبَتَ لَهُمُ النَّظَرَ، وَقَدْ أَوْقَفَ الْبَاذَرَائِيُّ عَلَى هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْقَافًا حَسَنَةً دَارَّةً، وَجَعَلَ فِيهَا خِزَانَةَ كُتُبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute