خَدَمَ فِي أَيَّامِ الْمُسْتَنْصِرِ أُسْتَاذَ دَارِ الْخِلَافَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، ثُمَّ اسْتَوْزَرَهُ الْمُسْتَعْصِمُ، وَلَمْ يَكُنْ وَزِيرَ صِدْقٍ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنَ الْفُضَلَاءِ الْأُدَبَاءُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا خَبِيثًا، رَدِيءَ الطَّوِيَّةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنَ التَّعْظِيمِ وَالْوَجَاهَةِ فِي أَيَّامِ الْمُسْتَعْصِمِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِكَثِيرٍ مِمَّنْ قَبْلَهُ مِنَ الْوُزَرَاءِ، ثُمَّ مَالَأَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ لِلتَّتَارِ أَصْحَابِ هُولَاكُوقَانَ، حَتَّى جَاءُوا فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ أَمْرًا مَفْعُولًا، ثُمَّ حَصَلَ لَهُ مِنَ الْإِهَانَةِ فِي أَيَّامِهِمْ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَزَوَالِ سِتْرِ اللَّهِ، مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، رَأَتْهُ امْرَأَةٌ وَهُوَ رَاكِبٌ فِي أَيَّامِ التَّتَارِ بِرْذَوْنًا، وَسَائِقٌ يَضْرِبُ فَرَسَهُ، فَوَقَفَتْ إِلَى جَانِبِهِ وَقَالَتْ: يَا ابْنَ الْعَلْقَمِيِّ، هَكَذَا كَانَ بَنُو الْعَبَّاسِ يُعَامِلُونَكَ؟ فَوَقَعَتْ كَلِمَتُهَا فِي قَلْبِهِ، وَانْقَطَعَ فِي دَارِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ كَمَدًا فِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَدُفِنَ فِي قُبُورِ الرَّوَافِضِ، وَقَدْ سَمِعَ بِأُذُنَيْهِ وَرَأَى بِعَيْنَيْهِ مِنَ الْإِهَانَةِ مِنَ التَّتَارِ وَالْمُسْلِمِينَ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، وَتَوَلَّى بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْوِزَارَةَ، ثُمَّ أَخَذَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ سَرِيعًا، وَقَدْ هَجَاهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ:
يَا فِرْقَةَ الْإِسْلَامِ نُوحُوا وَانْدُبُوا ... أَسَفًا عَلَى مَا حَلَّ بِالْمُسْتَعْصِمِ
دَسْتُ الْوَزَارَةِ كَانَ قَبْلَ زَمَانِهِ ... لِابْنِ الْفُرَاتِ فَصَارَ لِابْنِ الْعَلْقَمِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَيْدَرَةَ، فَتْحُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَدْلِ
مُحْتَسِبُ دِمَشْقَ، كَانَ مِنَ الصُّدُورِ الْمَشْكُورِينَ، حَسَنَ الطَّرِيقَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute