للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِصْرَ رَجَعَ عَائِدًا إِلَى مِصْرَ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهَا قَاصِدًا الشَّامَ، فَكَثُرَ الْخَوْفُ، وَاشْتَدَّ الْحَالُ، وَكَثُرَتِ الْأَمْطَارُ جِدًّا، وَصَارَ بِالطُّرُقَاتِ مِنَ الْأَوْحَالِ وَالسُّيُولِ مَا يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُهُ مِنَ الِانْتِشَارِ فِي الْأَرْضِ وَالذَّهَابِ فِيهَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَخَرَجَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ خِفَافًا وَثِقَالًا يَتَحَمَّلُونَ بِأَهَالِيهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَجَعَلُوا يَحْمِلُونَ الصِّغَارَ فِي الْوَحْلِ الشَّدِيدِ وَالْمَشَقَّةِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالرِّقَابِ، وَقَدْ ضَعُفَتِ الدَّوَابُّ مِنْ قِلَّةِ الْعَلَفِ مَعَ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ وَالزَّلَقِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالْجُوعِ وَقِلَّةِ الشَّيْءِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَاسْتَهَلَّ جُمَادَى الْأُولَى، وَالنَّاسُ عَلَى خُطَّةٍ صَعْبَةٍ مِنَ الْخَوْفِ، وَتَأَخُّرِ السُّلْطَانِ وَاقْتِرَابِ الْعَدُوِّ، وَشِدَّةِ الْأَمْرِ وَالْحَالِ، وَخَرَجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فِي مُسْتَهَلِّ هَذَا الشَّهْرِ، وَكَانَ يَوْمُ السَّبْتِ، إِلَى نَائِبِ الشَّامِ وَعَسَاكِرِهِ بِالْمَرْجِ، فَثَبَّتَهُمْ وَقَوَّى جَأْشَهُمْ، وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ، وَوَعَدَهُمُ النَّصْرَ وَالظَّفْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [الحج: ٦٠] . وَبَاتَ عِنْدَ الْعَسْكَرِ لَيْلَةَ الْأَحَدِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ، وَقَدْ سَأَلَهُ النَّائِبُ وَالْأُمَرَاءُ أَنْ يَرْكَبَ عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى مِصْرَ يَسْتَحِثُّ السُّلْطَانَ عَلَى الْمَجِيءِ، فَسَاقَ وَرَاءَ السُّلْطَانِ، وَكَانَ السُّلْطَانُ قَدْ وَصَلَ إِلَى السَّاحِلِ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ إِلَّا وَقَدْ رَجَعَ إِلَى الْقَاهِرَةِ، وَتَفَارَطَ الْحَالُ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحَثَّهُمْ عَلَى تَجْهِيزِ الْعَسَاكِرِ إِلَى الشَّامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>