للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، فَتَفَطَّنَ الْعُلَمَاءُ وَالنَّاسُ لِذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ لِلنَّاسِ: إِذَا رَأَيْتُمُونِي مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ وَعَلَى رَأْسِي مُصْحَفٌ، فَاقْتُلُونِي، فَتَشَجَّعَ النَّاسُ فِي قِتَالِ التَّتَارِ، وَقَوِيَتْ قُلُوبُهُمْ وَنِيَّاتُهُمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، خَرَجَتِ الْعَسَاكِرُ الشَّامِيَّةُ، فَخَيَّمَتْ عَلَى الْجُسُورَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ، وَمَعَهُمُ الْقُضَاةُ، فَصَارَ النَّاسُ فِيهِمْ فَرِيقَيْنِ، فَرِيقٌ يَقُولُونَ: إِنَّمَا سَارُوا لِيَخْتَارُوا مَوْضِعًا لِلْقِتَالِ، فَإِنَّ الْمَرْجَ فِيهِ مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهَا الْقِتَالَ، وَقَالَ فَرِيقٌ: إِنَّمَا سَارُوا إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ لِيَهْرُبُوا، وَلِيَلْحَقُوا بِالسُّلْطَانِ.

فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْخَمِيسِ، سَارُوا إِلَى نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ، فَقَوِيَتْ ظُنُونُ النَّاسِ فِي هَرَبِهِمْ، وَقَدْ وَصَلَتِ التَّتَارُ إِلَى قَارَةَ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى الْقُطَيِّفَةِ، فَانْزَعَجَ النَّاسُ لِذَلِكَ انْزِعَاجًا شَدِيدًا، وَلَمْ يَبْقَ حَوْلَ الْبَلَدِ مِنَ الْقُرَى وَالْحَوَاضِرِ أَحَدٌ، وَامْتَلَأَتِ الْقَلْعَةُ، وَازْدَحَمَتِ الْمَنَازِلُ وَالطُّرُقَاتُ، وَاضْطَرَبَ النَّاسُ، وَخَرَجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْخَمِيسِ مِنَ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ بِمَشَقَّةٍ كَبِيرَةٍ، وَصَحِبَتْهُ جَمَاعَةٌ لِيَشْهَدَ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ، فَظَنُّوا أَنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ هَارِبًا، فَحَصَلَ لَهُ لَوْمٌ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ، وَقَالُوا: أَنْتَ مَنَعْتَنَا مِنَ الْجَفْلِ، وَهَا أَنْتَ هَارِبٌ مِنَ الْبَلَدِ! فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الْبَلَدُ لَيْسَ فِيهِ حَاكَمٌ، وَعَاثَتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>