ثُمَّ وَقَعَ بِدِمَشْقَ خَبْطٌ كَثِيرٌ وَتَشْوِيشٌ بِسَبَبِ غَيْبَةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ فِي الصَّيْدِ، وَطَلَبَ الْقَاضِي جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ الشَّيْخِ وَعَزَّرَ بَعْضَهُمْ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّ الشَّيْخَ جَمَالَ الدِّينِ الْمِزِّيَّ الْحَافِظَ قَرَأَ فَصْلًا فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ مِنْ كِتَابِ " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " لِلْبُخَارِيِّ - تَحْتَ قُبَّةِ النَّسْرِ، بَعْدَ قِرَاءَةِ مِيعَادِ " الْبُخَارِيِّ " بِسَبَبِ الِاسْتِسْقَاءِ، فَغَضِبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْحَاضِرِينَ، وَشَكَاهُ إِلَى الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ ابْنِ صَصْرَى، وَكَانَ عَدُوَّ الشَّيْخِ، فَسَجَنَ الْمِزِّيَّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ، فَتَأَلَّمَ لِذَلِكَ، وَذَهَبَ إِلَى السِّجْنِ فَأَخْرَجَهُ مِنْهُ بِنَفْسِهِ، وَرَاحَ إِلَى الْقَصْرِ فَوَجَدَ الْقَاضِيَ هُنَاكَ، فَتَقَاوَلَا بِسَبَبِ. الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ الْمِزِّيِّ، فَحَلَفَ ابْنُ صَصْرَى وَلَا بُدَّ أَنْ يُعِيدَهُ إِلَى السِّجْنِ، وَإِلَّا عَزَلَ نَفْسَهُ، فَأَمَرَ النَّائِبُ بِإِعَادَتِهِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ الْقَاضِي، فَحَبَسَهُ عِنْدَهُ فِي الْقُوصِيَّةِ أَيَّامًا ثُمَّ أَطْلَقَهُ، وَلَمَّا قَدِمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ ذَكَرَ لَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَا جَرَى فِي حَقِّهِ وَحَقِّ أَصْحَابِهِ فِي غَيْبَتِهِ، فَتَأَلَّمَ النَّائِبُ لِذَلِكَ، وَنَادَى فِي الْبَلَدِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي الْعَقَائِدِ، وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ حَلَّ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَنُهِبَتْ دَارُهُ وَحَانُوتُهُ، فَسَكَنَتِ الْأُمُورُ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ فَصْلًا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي كَيْفِيَّةِ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَجَالِسِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْمُنَاظَرَاتِ.
ثُمَّ عُقِدَ الْمَجْلِسُ الثَّالِثُ سَابِعَ شَعْبَانَ بِالْقَصْرِ، وَاجْتَمَعَ الْجَمَاعَةُ عَلَى الرِّضَا بِالْعَقِيدَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَفِي هَذَا الْيَوْمِ عَزَلَ ابْنُ صَصْرَى نَفْسَهُ عَنِ الْحُكْمِ بِسَبَبِ كَلَامٍ سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ، وَهُوَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ، فِي الْمَجْلِسِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ جَاءَ كِتَابُ السُّلْطَانِ فِي السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute