وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ. وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ بِالْعُمَّالِ تَفَاوُتُ أُجُورِهِمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَنُوطًا بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ وَلَا قِلَّتِهِ، بَلْ بِأُمُورٍ أُخَرَ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَمْ مِنْ عَمَلٍ قَلِيلٍ أَجْدَى مَا لَا يُجْدِيهِ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ ; هَذِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ الْعَمَلُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ شَهْرٍ سِوَاهَا، وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْفَقُوا فِي أَوْقَاتٍ لَوْ أَنْفَقَ غَيْرُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ مِثْلَ أُحُدٍ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ مِنْ تَمْرٍ. وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمُرِهِ، وَقَبَضَهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ بَرَزَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ - الَّتِي هِيَ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً - فِي الْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، حَتَّى عَلَى نُوحٍ الَّذِي لَبِثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا يَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ لَيْلًا وَنَهَارًا صَبَاحًا وَمَسَاءً صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ.
فَهَذِهِ الْأُمَّةُ إِنَّمَا شَرُفَتْ وَتَضَاعَفَ ثَوَابُهَا بِبَرَكَةِ سِيَادَةِ نَبِيِّهَا وَشَرَفِهِ وَعَظَمَتِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهِ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: ٢٨ - ٢٩] . [الْحَدِيدِ: ٢٨، ٢٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute