للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا دُرُوسُهُ فِي الْمَحَافِلِ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ دَرَّسَ أَحْسَنَ مِنْهَا، وَلَا أَجْلَى مِنْ عِبَارَتِهِ، وَحُسْنِ تَقْرِيرِهِ، وَجَوْدَةِ احْتِرَازَاتِهِ، وَصِحَّةِ ذِهْنِهِ، وَقُوَّةِ قَرِيحَتِهِ، وَحُسْنِ نَظْمِهِ، وَقَدْ دَرَّسَ بِالشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ، وَالْعَذْرَاوِيَّةِ، وَالظَّاهِرِيَّةِ، وَالْجَوَّانِيَّةِ، وَالرَّوَاحِيَّةِ، وَالْمَسْرُورِيَّةِ، فَكَانَ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَقَّهَا، بِحَيْثُ كَانَ يَكَادُ يَنْسَخُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الدُّرُوسِ مَا قَبْلَهُ مَنْ حُسْنِهِ وَفَصَاحَتِهِ، وَلَا يَهُولُهُ تَعْدَادُ الدُّرُوسِ وَكَثْرَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْفُضَلَاءِ، بَلْ كُلَّمَا كَانَ الْجَمْعُ أَكْثَرَ وَالْفُضَلَاءُ أَكْبَرَ كَانَ الدَّرْسُ أَنْضَرَ وَأَنْظَرَ، وَأَجْلَى وَأَنْصَحَ وَأَفْصَحَ. ثُمَّ لَمَّا انْتَقَلَ إِلَى قَضَاءِ حَلَبَ وَمَا مَعَهُ مِنَ الْمَدَارِسِ الْعَدِيدَةِ عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ مِثْلِهَا، وَأَوْسَعَ فِي الْفَضِيلَةِ جَمِيعَ أَهْلِهَا، وَسَمِعُوا مِنَ الْعُلُومِ مَا لَمْ يَسْمَعُوا هُمْ وَلَا آبَاؤُهُمْ، ثُمَّ طُلِبَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ لِيُوَلَّى الشَّامِيَّةَ دَارَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، فَعَاجَلَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهَا، فَمَرِضَ وَهُوَ سَائِرٌ عَلَى الْبَرِيدِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَقَبَ الْمَرَضَ بُحْرَانُ الْحِمَامِ، فَقَبَضَهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الشَّهَوَاتِ وَالْإِرَادَاتِ، «وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» وَكَانَ مِنْ نِيَّتِهِ الْخَبِيثَةِ إِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>