وَصُحْبَةٌ مِنَ الصِّغَرِ، وَسَمَاعُ الْحَدِيثِ وَالطَّلَبُ مِنْ نَحْوِ خَمْسِينَ سَنَةً، وَلَهُ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ، وَأَسْمَاءُ مُصَنَّفَاتِهِ وَسِيرَتُهُ وَمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَالدَّوْلَةِ، وَحَبْسُهُ مَرَّاتٍ، وَأَحْوَالُهُ، لَا يَحْتَمِلُ ذِكْرَ جَمِيعِهَا هَذَا الْمَوْضِعُ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
وَلَمَّا مَاتَ كُنْتُ غَائِبًا عَنْ دِمَشْقَ بِطَرِيقِ الْحِجَازِ الشَّرِيفِ، وَبَلَغَنَا خَبَرُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ يَوْمًا لَمَّا وَصَلْنَا إِلَى تَبُوكَ، وَحَصَلَ التَّأَسُّفُ لِفَقْدِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا لَفْظُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ " تَارِيخِهِ ".
ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ فِي " تَارِيخِهِ " بَعْدَ إِيرَادِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ جِنَازَةَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ وَعِظَمَهَا، وَجِنَازَةَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ وَشُهْرَتَهَا، وَقَوْلَهُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ الْبِدَعِ يَوْمُ الْجَنَائِزِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ جِنَازَةَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَانَتْ هَائِلَةً عَظِيمَةً بِسَبَبِ كَثْرَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَاجْتِمَاعِهِمْ لِذَلِكَ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُوُفِّيَ بِبَلَدِهِ دِمَشْقَ، وَأَهْلُهَا لَا يَعْشُرُونَ أَهْلَ بَغْدَادَ كَثْرَةً، وَلَكِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا لِجِنَازَتِهِ اجْتِمَاعًا لَوْ جَمَعَهُمْ سُلْطَانٌ قَاهِرٌ وَدِيوَانٌ حَاصِرٌ لَمَا بَلَغُوا هَذِهِ الْكَثْرَةَ الَّتِي انْتَهَوْا إِلَيْهَا، هَذَا مَعَ أَنَّهُ مَاتَ بِالْقَلْعَةِ مَحْبُوسًا مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَذْكُرُونَ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِمَّا يَنْفِرُ مِنْهَا أَهْلُ الْأَدْيَانِ، وَاتَّفَقَ وَفَاتُهُ فِي سَحَرِ لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ الْمَذْكُورِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ مُؤَذِّنُ الْقَلْعَةِ عَلَى الْمَنَارَةِ بِهَا، وَتَكَلَّمَ بِهِ الْحُرَّاسُ عَلَى الْأَبْرِجَةِ، فَمَا أَصْبَحَ النَّاسُ إِلَّا وَقَدْ تَسَامَعُوا بِهَذَا الْخَطْبِ الْعَظِيمِ وَالْأَمْرِ الْجَسِيمِ، فَبَادَرَ النَّاسُ عَلَى الْفَوْرِ إِلَى الِاجْتِمَاعِ حَوْلَ الْقَلْعَةِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ أَمْكَنَهُمُ الْمَجِيءُ مِنْهُ، حَتَّى مِنَ الْغُوطَةِ وَالْمَرْجِ، وَلَمْ يَطْبُخْ أَهْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute