للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّمْسُ وَارْتَفَعَتْ قَلِيلًا، فَنَفَّذَ أُلْطُنْبُغَا الْقُضَاةَ وَبَعْضَ الْأُمَرَاءِ إِلَى الْفَخْرِيِّ يَتَهَدَّدُهُ وَيَتَوَعَّدُهُ وَيُقَوِّي نَفْسَهُ عَلَيْهِ، فَمَا سَارُوا عَنْهُ قَلِيلًا حَتَّى سَاقَتِ الْعَسَاكِرُ مِنَ الْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ وَمِنَ الْقَلْبِ وَمِنْ كُلِّ جَانِبٍ مُقْفِرِينَ إِلَى الْفَخْرِيِّ، وَذَلِكَ لِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ، وَقِلَّةِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَطْعِمَةِ، وَعَلَفِ الدَّوَابِّ، وَكَثْرَةِ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْكَلَفِ، فَرَأَوْا أَنَّ هَذَا حَالٌ يَطُولُ عَلَيْهِمْ، وَمَقَتُوا أَمْرَهُمْ غَايَةَ الْمَقْتِ، وَتَطَايَبَتْ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ أُولَئِكَ مَعَ أَهْلِ الْبَلَدِ عَلَى كَرَاهَتِهِ، لِقُوَّةِ نَفْسِهِ فِيمَا لَا يُجْدِي عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ شَيْئًا، فَبَايَعُوا عَلَى الْمُخَامَرَةِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِوَى حَاشِيَتِهِ فِي أَقَلِّ مِنْ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا رَأَى الْحَالَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ كَرَّ رَاجِعًا هَارِبًا مِنْ حَيْثُ جَاءَ، وَصُحْبَتُهُ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَرُقْطَايُ نَائِبُ طَرَابُلُسَ وَأَمِيرَانِ آخَرَانِ، وَالْتَقَتِ الْعَسَاكِرُ وَالْأُمَرَاءُ، وَجَاءَتِ الْبِشَارَةُ إِلَى دِمَشْقَ قَبْلَ الظُّهْرِ، فَفَرِحَ النَّاسُ فَرَحًا شَدِيدًا جِدًّا; الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ، حَتَّى مَنْ لَا نَوْبَةَ لَهُ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِ مَنْ هَرَبَ، وَجَلَسَ الْفَخْرِيُّ هُنَالِكَ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ يُحَلِّفُ الْأُمَرَاءَ عَلَى أَمْرِهِ الَّذِي جَاءَ لَهُ، فَحَلَفُوا لَهُ، وَدَخَلَ دِمَشْقَ عَشِيَّةَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَحُرْمَةٍ وَافِرَةٍ، فَنَزَلَ الْقَصْرَ الْأَبْلَقَ، وَنَزَلَ الْأَمِيرُ طُقُزْدَمُرُ بِالْمَيْدَانِ الْكَبِيرِ، وَنَزَلَ قُمَارِيُّ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَأَخْرَجُوا الْمُوسَاوِيَّ الَّذِي كَانَ مُعْتَقَلًا بِالْقَلْعَةِ، وَجَعَلُوهُ مُشِدًّا عَلَى حَوْطَاتِ حَوَاصِلِ أُلْطُنْبُغَا، وَكَانَ قَدْ تَغَضَّبَ الْفَخْرِيُّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ; مِنْهُمُ الْأَمِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>