وَاسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالْأَمِيرُ رُكْنُ الدِّينِ بِيبَرْسُ الْأَحْمَدِيُّ نَازِلٌ بِقَصْرِ تَنْكِزَ بِطَرِيقِ دَارَيَّا، وَكُتُبُ السُّلْطَانِ وَارِدَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِالِاحْتِيَاطِ عَلَيْهِ وَالْقَبْضِ، وَأَنَّ يُمْسَكَ وَيُرْسَلَ إِلَى الْكَرَكِ، هَذَا وَالْأُمَرَاءُ يَتَوَانَوْنَ فِي أَمْرِهِ وَيُسَوِّفُونَ الْمَرَاسِيمَ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ، وَحِينًا بَعْدَ حِينٍ، وَيَحْمِلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْمَدِيَّ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَمَتَى مَسَكَهُ تَطَرَّقَ إِلَى غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ السُّلْطَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ أَحْوَالٌ لَا تُرْضِيهِمْ مِنَ اللَّعِبِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْأَرَاذِلِ وَالْأَطْرَافِ بِبَلَدِ الْكَرَكِ، مَعَ قَتْلِهِ الْفَخْرِيَّ وَطَشْتَمُرَ قَتْلًا فَظِيعًا، وَسَلْبِهِ أَهْلَهُمَا، وَسَلْبِهِ لِمَا عَلَى الْحَرِيمِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ، وَإِخْرَاجِهِمْ فِي أَسْوَأِ حَالٍ مِنَ الْكَرَكِ، وَتَقْرِيبِهِ النَّصَارَى وَحُضُورِهِمْ عِنْدَهُ، فَحَمَلَ الْأُمَرَاءَ هَذِهِ الصِّفَاتُ عَلَى أَنْ بَعَثُوا أَحَدَهُمْ يَكْشِفُ أَمْرَهُ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ، وَرَجَعَ هَارِبًا خَائِفًا، فَلَمَّا رَجَعَ وَأَخْبَرَ الْأُمَرَاءَ بِذَلِكَ انْزَعَجُوا وَتَشَوَّشُوا كَثِيرًا، وَاجْتَمَعُوا بِسُوقِ الْخَيْلِ مِرَارًا، وَضَرَبُوا مَشُورَةً بَيْنِهِمْ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَخْلَعُوهُ، فَكَتَبُوا إِلَى الْمِصْرِيِّينَ بِذَلِكَ، وَأَعْلَمُوا نَائِبَ حَلَبَ أَيْدُغْمُشَ وَنُوَّابَ الْبِلَادِ، وَبَقَوْا مُتَوَهِّمِينَ مِنْ هَذَا الْحَالِ كَثِيرًا وَمُتَرَدِّدِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَانِعُ فِي الظَّاهِرِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ فِي الْبَاطِنِ، وَقَالُوا: لَا سَمْعَ لَهُ وَلَا طَاعَةَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَيَجْلِسَ عَلَى سَرِيرِ الْمَمْلَكَةِ. وَجَاءَ كِتَابُهُ إِلَيْهِمْ يَعِيبُهُمْ وَيُعَنِّفُهُمْ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يُفِدْ، وَرَكِبَ الْأَحْمَدِيُّ فِي الْمَوْكِبِ وَرَكِبُوا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَرَاحُوا إِلَيْهِ إِلَى الْقَصْرِ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَخَدَمُوهُ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ، وَعَظُمَ الْخُطَبُ، وَحَمَلُوا هُمُومًا عَظِيمَةً خَوْفًا مِنْ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَيُلَفَّ عَلَيْهِ الْمِصْرِيُّونَ، فَيُتْلِفَ الشَّامِيِّينَ، فَحَمَلَ النَّاسُ هَمَّهُمْ، فَاللَّهُ هُوَ الْمَسْئُولُ أَنْ يُحْسِنَ الْعَاقِبَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute