بِالْكَرَكِ، وَجَرَتْ أُمُورٌ مُنْكَرَةٌ، ثُمَّ بَعْدَهَا تَعَرَّضَ الْعَسْكَرُ رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ لَمْ يَنَالُوا مُرَادَهُمْ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ دَقَّهُمُ الْبَرْدُ الشَّدِيدُ وَقِلَّةُ الزَّادِ، وَحَاصَرُوا أُولَئِكَ شَدِيدًا بِلَا فَائِدَةٍ، فَإِنَّ الْبَلَدَ بَرِيدٌ مُتَطَاوَلَةٌ وَمَجَانِيقُ، وَيَشُقُّ عَلَى الْجَيْشِ الْإِقَامَةُ هُنَاكَ فِي زَمَانِ كَوَانِينَ، وَالْمَنْجَنِيقُ الَّذِي حَمَلُوهُ مَعَهُمْ كُسِرَ، فَرَجَعُوا لِيَتَأَهَّبُوا لِذَلِكَ.
وَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى الْبَرِيدِ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ بْنُ فَضْلِ اللَّهِ كَاتِبًا عَلَى السِّرِّ عِوَضًا عَنْ أَخِيهِ الْقَاضِي شِهَابِ الدِّينِ، وَمَعَهُ كِتَابٌ بِالِاحْتِيَاطِ عَلَى حَوَاصِلِ أَخِيهِ شِهَابِ الدِّينِ، وَعَلَى حَوَاصِلِ الْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الشِّيرَازِيِّ الْمُحْتَسِبِ، فَاحْتِيطَ عَلَى أَمْوَالِهِمَا، وَأُخْرِجَ مَنْ فِي دِيَارِهِمَا مِنَ الْحُرَمِ، وَضُرِبَتِ الْأَخْشَابُ عَلَى الْأَبْوَابِ، وَرُسِمَ عَلَى الْمُحْتَسِبِ بِالْعَذْرَاوِيَّةِ، فَسَأَلَ أَنْ يُحَوَّلَ إِلَى دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ فَحُوِّلَ إِلَيْهَا، وَأَمَّا الْقَاضِي شِهَابُ الدِّينِ، فَكَانَ قَدْ خَرَجَ لِيَلْتَقِيَ الْأَمِيرَ سَيْفَ الدِّينِ طُقُزْدَمُرَ الْحَمَوِيَّ الَّذِي جَاءَ تَقْلِيدُهُ بِنِيَابَةِ الشَّامِ بِدِمَشْقَ وَكَانَ بِحَلَبَ، وَجَاءَ هَذَا الْأَمْرُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَرُسِمَ بِرَجْعَتِهِ لِيُصَادَرَ هُوَ وَالْمُحْتَسِبُ، وَلَمْ يَدْرِ النَّاسُ مَا ذَنْبُهُمَا.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ ثَامِنِ شَهْرِ رَجَبٍ آخِرِ النَّهَارِ رَجَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ إِلَى دِمَشْقَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَمَعَهُ تَقْلِيدٌ بِالْخَطَابَةِ أَيْضًا، وَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَدَخَلَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طُقُزْدَمُرُ الْحَمَوِيُّ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ بَعْدَ الْعَصْرِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ حَلَبَ، فَتَلَقَّاهُ الْأُمَرَاءُ إِلَى طَرِيقِ الْقَابُونِ، وَدَعَا لَهُ النَّاسُ دُعَاءً كَثِيرًا، وَأَحَبُّوهُ لِبُغْضِهِمُ النَّائِبَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute