وَتَوَجَّهَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ سَابِعَهُ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ قَدِمَ الْقَاضِي بَهَاءُ الدِّينِ أَبُو الْبَقَاءِ مِنْ طَرَابُلُسَ بِمَرْسُومٍ شَرِيفٍ أَنْ يَعُودَ إِلَى دِمَشْقَ عَلَى وَظَائِفِهِ الْمُبْقَاةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ وَلَدُهُ وَلِيُّ الدِّينِ يَنُوبُ عَنْهُ فِيهَا، فَتَلَقَّاهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، وَبَرَزَ إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ إِلَى حَرَسْتَا، وَرَاحَ النَّاسُ إِلَى تَهْنِئَتِهِ إِلَى دَارِهِ، وَفَرِحُوا بِرُجُوعِهِ إِلَى وَطَنِهِ. وَوَقَعَ مَطَرٌ عَظِيمٌ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّهْرِ - وَهُوَ أَثْنَاءُ شَهْرِ شُبَاطَ - وَثَلْجٌ عَظِيمٌ جِدًّا، فَرَوِيَتِ الْبَسَاتِينُ الَّتِي كَانَتْ لَهَا عَنِ الْمَاءِ عِدَّةُ شُهُورٍ، وَلَا يَحْصُلُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ سَقْيٌ إِلَّا بِكُلْفَةٍ عَظِيمَةٍ وَمَشَقَّةٍ، وَمَبْلَغٍ كَثِيرٍ، حَتَّى كَادَ النَّاسُ يَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ بِالْأَيْدِي، وَالدَّبَابِيسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبَذْلِ الْكَثِيرِ، وَذَلِكَ فِي شُهُورِ كَانُونَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَأَوَّلِ شُبَاطَ; وَذَلِكَ لِقِلَّةِ مِيَاهِ الْأَنْهَارِ وَضَعْفِهَا، وَكَذَلِكَ بِلَادُ حَوْرَانَ أَكْثَرُهُمْ يَرْوُونَ مِنْ أَمَاكِنَ بَعِيدَةٍ فِي هَذِهِ الشُّهُورِ، ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى فَجَرَتِ الْأَوْدِيَةُ، وَكَثُرَتِ الْأَمْطَارُ، وَالثُّلُوجُ، وَغَزُرَتِ الْأَنْهَارُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَتَوَالَتِ الْأَمْطَارُ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ السَّيْلُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ كَانُونَ إِلَى شُبَاطَ، فَكَأَنَّ شُبَاطَ هُوَ كَانُونُ، وَكَانُونَ لَمْ يَسِلْ فِيهِ مِيزَابٌ وَاحِدٌ. وَوَصَلَ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ مَنْجَكَ إِلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ; لِيَبْتَنِيَ لِلسُّلْطَانِ مَدْرَسَةً وَخَانَقَاهْ غَرْبِيَّ الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ، وَأُحْضِرَ الطَّرْخَانُ الَّذِي كُتِبَ لَهُ بِمَاءِ الذَّهَبِ إِلَى دِمَشْقَ، وَشَاهَدَهُ النَّاسُ، وَوَقَعْتُ عَلَى نُسْخَتِهِ وَفِيهَا تَعْظِيمٌ زَائِدٌ وَمَدْحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute