فَقُلْنَا: مِنْ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنَّ بِجَنْبِكُمْ قَرْيَةً يُقَالُ لَهَا: الْأُبُلَّةُ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ. فَقَالَ: مَنْ يَضْمَنُ أَنْ يُصَلِّيَ لِي فِي مَسْجِدِ الْعَشَّارِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا، وَيَقُولُ: هَذِهِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ؟ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مِنْ مَسْجِدِ الْعَشَّارِ شُهَدَاءَ لَا يَقُومُ مَعَ شُهَدَاءِ بَدْرٍ غَيْرُهُمْ».
وَقَالَ ﷺ فِيمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ»: «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمْرَ، وَعُثْمَانَ; انْزَاحَتْ يَدُ قَيْصَرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ - وَاسْمُهُ هِرَقْلُ - عَنْ بِلَادِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ، وَثَبَتَ مُلْكُهُ مَقْصُورًا عَلَى بِلَادِ الرُّومِ فَقَطُّ، وَالْعَرَبُ إِنَّمَا كَانُوا يُسَمُّونَ قَيْصَرَ لِمَنْ مَلَكَ بِلَادَ الرُّومِ مَعَ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الشَّامِ; وَهُوَ أَنَّ يَدَ مَلِكِ الرُّومِ لَا تَعُودُ إِلَيْهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ. وَسَنُورِدُ هَذَا الْحَدِيثَ قَرِيبًا بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا كِسْرَى فَإِنَّهُ سُلِبَ عَامَّةَ مُلْكِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ثُمَّ اسْتُؤْصِلَ بَاقِيهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقُتِلَ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ مُطَوَّلًا فِيمَا سَلَفَ، وَقَدْ دَعَا عَلَى كِسْرَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُ مَزَّقَ كِتَابَهُ، بِأَنْ يُمَزَّقَ مُلْكُهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
وَثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، وَجَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute