قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ أَبْرَهَةَ بَنَى الْقُلَّيْسَ بِصَنْعَاءَ فَبَنَى كَنِيسَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا - فِي زَمَانِهَا - بِشَيْءٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ إِنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ كَنِيسَةً، لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكٍ كَانَ قَبْلَكَ، وَلَسْتُ بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِفَ إِلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ.
فَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ أَبْرَهَةَ اسْتَذَلَّ أَهْلَ الْيَمَنِ فِي بِنَاءِ هَذِهِ الْكَنِيسَةِ الْخَسِيسَةِ، وَسَخَّرَهُمْ فِيهَا أَنْوَاعًا مِنَ السُّخَرِ وَكَانَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنِ الْعَمَلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، يَقْطَعُ يَدَهُ لَا مَحَالَةَ، وَجَعَلَ يَنْقُلُ إِلَيْهَا مِنْ قَصْرِ بِلْقِيسَ رُخَامًا، وَأَحْجَارًا، وَأَمْتِعَةً عَظِيمَةً، وَرَكَّبَ فِيهَا صُلْبَانًا مِنْ ذَهَبٍ، وَفِضَّةٍ، وَجَعَلَ فِيهَا مَنَابِرَ مِنْ عَاجٍ، وَآبِنُوسَ، وَجَعَلَ ارْتِفَاعَهَا عَظِيمًا جِدًّا، وَاتِّسَاعَهَا بَاهِرًا فَلَمَّا هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ، وَتَفَرَّقَتِ الْحَبَشَةُ كَانَ مَنْ تَعَرَّضَ لِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ بِنَائِهَا، وَأَمْتِعَتِهَا أَصَابَتْهُ الْجِنُّ بِسُوءٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى اسْمِ صَنَمَيْنِ كُعَيْبٍ وَامْرَأَتِهِ وَكَانَ طُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا سِتُّونَ ذِرَاعًا فَتَرَكَهَا أَهْلُ الْيَمَنِ عَلَى حَالِهَا فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى زَمَنِ السَّفَّاحِ أَوَّلِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ فَبَعَثَ إِلَيْهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعَزْمِ وَالْحَزْمِ وَالْعِلْمِ فَنَقَضُوهَا حَجَرًا حَجَرًا، وَدَرَسَتْ آثَارُهَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا تَحَدَّثَتِ الْعَرَبُ بِكِتَابِ أَبْرَهَةَ إِلَى النَّجَاشِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute