قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ " كَشْفِ عِلْمِ الْآخِرَةِ ": حَكَى بَعْضُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ التَّصْنِيفِ أَنَّ الْحَوْضَ يُورَدُ بَعْدَ الصِّرَاطِ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ كَمَا قَالَ. ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ مَنْعِ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ عَنِ الْحَوْضِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ صِحَّتِهِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ فِي الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصِّرَاطِ ; لِأَنَّ الصِّرَاطَ مَنْ جَازَ عَلَيْهِ سَلِمَ، كَمَا سَيَأْتِي. قُلْتُ: وَهَذَا التَّوْجِيهُ قَدْ أَسْلَفْنَاهُ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ فِي تَحْدِيدِ الْحَوْضِ تَارَةً بِجَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، وَتَارَةً كَمَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ إِلَى كَذَا، وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ، اضْطِرَابًا. قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؟ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ أَصْحَابَهُ بِهِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَخَاطَبَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِكُلِّ قَوْمٍ بِمَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْأَمَاكِنِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ تَحْدِيدُهُ بِشَهْرٍ فِي شَهْرٍ. قَالَ: وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِكَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، بَلْ فِي الْأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ، وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالْفِضَّةِ، لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ، وَلَمْ يُظْلَمْ عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدٌ قَطُّ، تُطَهَّرُ لِنُزُولِ الْجَبَّارِ جَلَّ جَلَالُهُ، لِفَصْلِ الْقَضَاءِ.
قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ عَلَى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْحَوْضِ وَاحِدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، فَعَلَى الرُّكْنِ الْأَوَّلِ أَبُو بَكْرٍ، وَعَلَى الثَّانِي عُمَرُ، وَعَلَى الثَّالِثِ عُثْمَانُ، وَعَلَى الرَّابِعِ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَيْنَاهُ فِي» " الْغَيْلَانِيَّاتِ "، وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ لِضَعْفِ بَعْضِ رِجَالِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute