قُلْتُ: وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ فِي السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا تُوزَنَ أَعْمَالُهُمْ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تُوزَنُ أَعْمَالُ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ رَاجِحَةً; لِإِظْهَارِ شَرَفِهِمْ وَفَضْلِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، وَالتَّنْوِيهِ بِسَعَادَتِهِمْ وَنَجَاتِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَتُوزَنُ أَعْمَالُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ تَنْفَعُهُمْ يُقَابَلُ بِهَا كُفْرُهُمْ، فَإِنَّ حَسَنَاتِهِمْ - وَلَوْ بَلَغَتْ مَا بَلَغَتْ - لَا تُقَابِلُ كُفْرَهُمْ وَلَا تُوَازِنُهُ، وَهِيَ غَيْرُ نَافِعَةٍ لَهُمْ، فَتُوزَنُ لِإِظْهَارِ شَقَائِهِمْ وَتَوْبِيخِهِمْ وَفَضِيحَتِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا حَسَنَةً، أَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعِمُهُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُوَافِيَ اللَّهَ وَلَيْسَ لَهُ حَسَنَةٌ يَجْزِيهِ بِهَا».
وَقَدْ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي «التَّذْكِرَةِ» أَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يُوَافِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَدَقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَعِتْقٍ، فَيُخَفِّفُ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ مِنْ عَذَابِهِ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَضِيَّةِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ; إِذْ قَدْ يَكُونُ هَذَا خَاصًّا بِهِ; لِأَجْلِ حِيَاطَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنُصْرَتِهِ لَهُ، كَمَا سُقِيَ أَبُو لَهَبٍ فِي النُّقْرَةِ الَّتِي هِيَ فِي ظَهْرِ الْإِبْهَامِ بِسَبَبِ عَتَاقَتِهِ ثُوَيْبَةَ الَّتِي أَرْضَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَاسْتَدَلَّ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا الْآيَةَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٤٧].
قُلْتُ: وَقُصَارَى هَذِهِ الْآيَةِ الْعُمُومُ، فَيُخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الْكَافِرُونَ، وَقَدْ سُئِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute