للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالَ: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: ٥٦] . أَيْ: مَعَكَ فِيمَا أَنْتَ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْغِبْطَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَشَكَرَ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الصافات: ٥٨] . أَيْ: أَمَا قَدْ نَجَوْنَا مِنَ الْمَوْتِ وَالْعَذَابِ بِدُخُولِنَا الْجَنَّةَ؟ {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصافات: ٦٠] . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: ٦١] يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ مَقَالَةِ الْمُؤْمِنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، حَثًّا لِعِبَادِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْفَوْزِ، وَلِيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ فِي الْفَوْزِ عِنْدَهُ مِنَ النَّارِ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ، لَا مَوْتَ فِيهَا. وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ، قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي " التَّفْسِيرِ ".

وَذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ " شَرْحِ الْبُخَارِيِّ " فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ حَدِيثَ حَارِثَةَ حِينَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟ " فَقَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا. قَالَ: " فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟» " قَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَإِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ يُعَذَّبُونَ فِيهَا. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ» ".

وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَزُورُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ، وَلَا يَزُورُ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى.

قُلْتُ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَاحِبَ الْمَرْتَبَةِ السَّافِلَةِ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهَا; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>