إِلَى مَكَّةَ، وَتَمَلَّكَ عَلَى قَوْمِهِ، وَأَهْلِ مَكَّةَ فَمَلَّكُوهُ إِلَّا أَنَّهُ أَقَرَّ الْعَرَبَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَرَى ذَلِكَ دِينًا فِي نَفْسِهِ، لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ فَأَقَرَّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنَّسَأَةَ وَمُرَّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ كُلَّهُ. قَالَ: فَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ بَنِي كَعْبٍ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ، فَكَانَتْ إِلَيْهِ الْحِجَابَةُ وَالسِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ وَالنَّدْوَةُ وَاللِّوَاءُ فَحَازَ شَرَفَ مَكَّةَ كُلَّهُ، وَقَطَّعَ مَكَّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ فَأَنْزَلَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكَّةَ.
قُلْتُ: فَرَجَعَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ وَرُدَّ شَارِدُ الْعَدْلِ بَعْدَ إِيَابِهِ، وَاسْتَقَرَّتْ بِقُرَيْشٍ الدَّارُ، وَقَضَتْ مِنْ خُزَاعَةَ الْمُرَادَ وَالْأَوْطَارَ، وَتَسَلَّمَتْ بَيْتَهُمُ الْعَتِيقَ الْقَدِيمَ، لَكِنْ بِمَا أَحْدَثَتْ خُزَاعَةُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَنَصْبِهَا إِيَّاهَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَنَحْرِهِمْ لَهَا، وَتَضَرُّعِهِمْ عِنْدَهَا، وَاسْتِنْصَارِهِمْ بِهَا، وَطَلَبِهِمُ الرِّزْقَ مِنْهَا، وَأَنْزَلَ قُصَيٌّ قَبَائِلَ قُرَيْشٍ أَبَاطِحَ مَكَّةَ، وَأَنْزَلَ طَائِفَةً مِنْهُمْ ظَوَاهِرَهَا فَكَانَ يُقَالَ: قُرَيْشُ الْبِطَاحِ، وَقُرَيْشُ الظَّوَاهِرِ فَكَانَتْ لِقُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ جَمِيعُ الرِّئَاسَةِ ; مِنْ حِجَابَةِ الْبَيْتِ وَسِدَانَتِهِ وَاللِّوَاءِ، وَبَنَى دَارًا لِإِزَاحَةِ الظُّلُمَاتِ، وَفَصْلِ الْخُصُومَاتِ سَمَّاهَا دَارَ النَّدْوَةِ إِذَا أَعْضَلَتْ قَضِيَّةٌ، اجْتَمَعَ الرُّؤَسَاءُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَاشْتَوَرُوا فِيهَا وَفَصَلُوهَا وَلَا يُعْقَدُ عَقْدُ لِوَاءٍ وَلَا عَقْدُ نِكَاحٍ إِلَّا بِهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute