فَرَحَلْنَا فَسِرْنَا بِذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ مِنْ هَمِّهِ.
ثُمَّ قَالَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ: أَلَا تَحَدَّثُ يَا أَبَا سُفْيَانَ؟ قُلْتُ: وَهَلْ بِكَ مِنْ حَدِيثٍ؟ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَجَعْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِكَ. قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَلِكَ لِشَيْءٍ لَسْتَ فِيهِ إِنَّمَا ذَلِكَ لِشَيْءٍ وَجِلْتُ مِنْهُ مِنْ مُنْقَلَبِي. قُلْتُ: وَهَلْ لَكَ مِنْ مُنْقَلَبٍ قَالَ: أَيْ وَاللَّهِ لَأَمُوتَنَّ، ثُمَّ لَأُحْيَيَنَّ قَالَ: قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ قَابِلٌ أَمَانَتِي؟ قَالَ: عَلَى مَاذَا؟ قُلْتُ: عَلَى أَنَّكَ لَا تُبْعَثُ وَلَا تُحَاسَبُ قَالَ: فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ يَا أَبَا سُفْيَانَ لَنُبْعَثَنَّ ثُمَّ لَنُحَاسَبَنَّ، وَلَيَدْخُلَنَّ فَرِيقٌ الْجَنَّةَ وَفَرِيقٌ النَّارَ. قُلْتُ: فَفِي أَيِّهِمَا أَنْتَ أَخْبَرَكَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لَا عِلْمَ لِصَاحِبِي بِذَلِكَ لَا فِيَّ وَلَا فِي نَفْسِهِ. قَالَ: فَكُنَّا فِي ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ يَعْجَبُ مِنِّي وَأَضْحَكُ مِنْهُ حَتَّى قَدِمْنَا غُوطَةَ دِمَشْقَ فَبِعْنَا مَتَاعَنَا، وَأَقَمْنَا بِهَا شَهْرَيْنِ فَارْتَحَلْنَا حَتَّى نَزَلْنَا قَرْيَةً مِنْ قُرَى النَّصَارَى.
فَلَمَّا رَأَوْهُ جَاءُوهُ وَأَهْدَوْا لَهُ، وَذَهَبَ مَعَهُمْ إِلَى بَيْعَتِهِمْ فَمَا جَاءَ إِلَّا بَعْدَ مُنْتَصَفِ النَّهَارِ فَلَبِسَ ثَوْبَيْهِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِمْ حَتَّى جَاءَ بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ فَطَرَحَ ثَوْبَيْهِ وَرَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَوَاللَّهِ مَا نَامَ وَلَا قَامَ وَأَصْبَحَ حَزِينًا كَئِيبًا لَا يُكَلِّمُنَا وَلَا نُكَلِّمُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَرْحَلُ؟ قُلْتُ: بَلَى إِنْ شِئْتَ. فَرَحَلْنَا كَذَلِكَ مِنْ بَثِّهِ وَحُزْنِهِ لَيَالِيَ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا سُفْيَانَ هَلْ لَكَ فِي الْمَسِيرِ لِنَتَقَدَّمَ أَصْحَابَنَا؟ قُلْتُ: هَلْ لَكَ فِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَسِرْنَا حَتَّى بَرَزْنَا مِنْ أَصْحَابِنَا سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: هَيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute