كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ خَبَرِهِ مَعَ ذِكْرِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ﵀، وَأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَفَارَقَهُمْ وَارْتَحَلَ إِلَى الشَّامِ، هُوَ وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو وَعُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَتَنَصَّرُوا كُلُّهُمْ; لِأَنَّهُمْ وَجَدُوهُ أَقْرَبَ الْأَدْيَانِ - إِذْ ذَاكَ - إِلَى الْحَقِّ، إِلَّا زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَإِنَّهُ رَأَى فِيهِ دَخَلًا وَتَخْبِيطًا، وَتَبْدِيلًا، وَتَحْرِيفًا، وَتَأْوِيلًا، فَأَبَتْ فِطْرَتُهُ الدُّخُولَ فِيهِ أَيْضًا، وَبَشَّرُوهُ الْأَحْبَارُ وَالرُّهْبَانُ بِوُجُودِ نَبِيٍّ، قَدْ أَزِفَ زَمَانُهُ، وَاقْتَرَبَ أَوَانُهُ، فَرَجَعَ يَتَطَلَّبُ ذَلِكَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى فِطْرَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، لَكِنِ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ الْبِعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَأَدْرَكَهَا وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَكَانَ يَتَوَسَّمُهَا فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَمَا قَدَّمْنَا، بِمَا كَانَتْ خَدِيجَةُ تَنْعَتُهُ لَهُ وَتَصِفُهُ لَهُ، وَمَا هُوَ مُنْطَوٍ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ الطَّاهِرَةِ الْجَمِيلَةِ، وَمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْآيَاتِ، وَلِهَذَا لَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ، أَخَذَتْ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَجَاءَتْ بِهِ إِلَيْهِ، فَوَقَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَلَمَّا قَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَبَرَ مَا رَأَى، قَالَ وَرَقَةُ: سُبُّوحٌ سُبُّوحٌ، هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى وَلَمْ يَذْكُرْ عِيسَى، وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا بَعْدَ مُوسَى; لِأَنَّهُ كَانَتْ شَرِيعَتُهُ مُتَمِّمَةً وَمُكَمِّلَةً لِشَرِيعَةِ مُوسَى، ﵉، وَنَسَخَتْ بَعْضَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا قَالَ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آلِ عِمْرَانَ: ٥٠]
وَقَوْلُ وَرَقَةَ هَذَا كَمَا قَالَتِ الْجِنُّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute