للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُرَيْجٍ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَتْ شَجَرَةً مَنْ أَكَلَ مِنْهَا أَحْدَثَ، وَلَا يَنْبَغِي فِي الْجَنَّةِ حَدَثٌ.

وَهَذَا الْخِلَافُ قَرِيبٌ. وَقَدْ أَبْهَمَ اللَّهُ ذِكْرَهَا وَتَعْيِينَهَا، وَلَوْ كَانَ فِي ذِكْرِهَا مَصْلَحَةٌ تَعُودُ إِلَيْنَا لَعَيَّنَهَا لَنَا، كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمُحَالِّ الَّتِي تُبْهَمُ فِي الْقُرْآنِ.

وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي أَنَّ هَذِهِ الْجَنَّةَ الَّتِي أُسْكِنَهَا آدَمُ، هَلْ هِيَ فِي السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ؟ هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي يَنْبَغِي فَصْلُهُ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الَّتِي فِي السَّمَاءِ، وَهِيَ جَنَّةُ الْمَأْوَى، لِظَاهِرِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: ٣٥] . وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ، وَلَا لِمَعْهُودٍ لَفْظِيٍّ، وَإِنَّمَا تَعُودُ عَلَى مَعْهُودٍ ذِهْنِيٍّ، وَهُوَ الْمُسْتَقِرُّ شَرْعًا مِنْ جَنَّةِ الْمَأْوَى، وَكَقَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَلَامَ أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ» . الْحَدِيثَ. كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حِينَ تَزْلُفُ لَهُمُ الْجَنَّةُ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ يَا أَبَانَا اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ!» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَهَذَا فِيهِ قُوَّةٌ جَيِّدَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، وَلَيْسَتْ تَخْلُو عَنْ نَظَرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>