وَأَقَلَّ الْخُرُوجَ، وَنَالَتْ مِنْهُ قُرَيْشٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ وَلَا تَطْمَعُ فِيهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا لَهَبٍ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، امْضِ لِمَا أَرَدْتَ، وَمَا كُنْتَ صَانِعًا إِذْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيًّا فَاصْنَعْهُ، لَا وَاللَّاتِ، لَا يُوصَلُ إِلَيْكَ حَتَّى أَمُوتَ. وَسَبَّ ابْنُ الْغَيْطَلَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَبُو لَهَبٍ فَنَالَ مِنْهُ، فَوَلَّى يَصِيحُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، صَبَأَ أَبُو عُتْبَةَ. فَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى أَبِي لَهَبٍ، فَقَالَ: مَا فَارَقْتُ دِينَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَكِنِّي أَمْنَعُ ابْنَ أَخِي أَنْ يُضَامَ حَتَّى يَمْضِيَ لِمَا يُرِيدُ. فَقَالُوا: قَدْ أَحْسَنْتَ، وَأَجْمَلْتَ، وَوَصَلْتَ الرَّحِمَ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ أَيَّامًا يَأْتِي وَيَذْهَبُ، لَا يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهَابُوا أَبَا لَهَبٍ إِلَى أَنْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَأَبُو جَهْلٍ إِلَى أَبِي لَهَبٍ، فَقَالَا لَهُ: أَخْبَرَكَ ابْنُ أَخِيكَ أَيْنَ مَدْخَلُ أَبِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: يَا مُحَمَّدُ، أَيْنَ مَدْخَلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: " مَعَ قَوْمِهِ ". فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا، فَقَالَ: قَدْ سَأَلْتُهُ، فَقَالَ: مَعَ قَوْمِهِ. فَقَالَا: يَزْعُمُ أَنَّهُ فِي النَّارِ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَيَدْخُلُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النَّارَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَنْ مَاتَ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ دَخَلَ النَّارَ ". فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَاللَّهِ لَا بَرِحْتُ لَكَ إِلَّا عَدُوًّا أَبَدًا، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ فِي النَّارِ. وَاشْتَدَّ عِنْدَ ذَلِكَ أَبُو لَهَبٍ وَسَائِرُ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ النَّفَرَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ; أَبُو لَهَبٍ، وَالْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعَدِيُّ بْنُ الْحَمْرَاءِ، وَابْنُ الْأَصْدَاءِ الْهُذَلِيُّ، وَكَانُوا جِيرَانَهُ، لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - يَطْرَحُ عَلَيْهِ رَحِمَ الشَّاةِ وَهُوَ يُصَلِّي، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَطْرَحُهَا فِي بُرْمَتِهِ إِذَا نُصِبَتْ لَهُ، حَتَّى اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute