جَسِيمٌ، مَا كَانَ قَوْمِي لِيَتَفَرَّقُوا عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَمَا عَلِمْتُهُ كَانَ. قَالَ: فَانْصَرَفُوا عَنْهُ. قَالَ: وَنَفَرَ النَّاسُ مِنْ مِنًى فَتَنَطَّسَ الْقَوْمُ الْخَبَرَ، فَوَجَدُوهُ قَدْ كَانَ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِأَذَاخِرَ وَالْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكِلَاهُمَا كَانَ نَقِيبًا، فَأَمَّا الْمُنْذِرُ فَأَعْجَزَ الْقَوْمَ، وَأَمَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَأَخَذُوهُ فَرَبَطُوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِنَسْعِ رَحْلِهِ، ثُمَّ أَقْبَلُوا بِهِ حَتَّى أَدْخَلُوهُ مَكَّةَ يَضْرِبُونَهُ وَيَجْذِبُونَهُ بِجُمَّتِهِ، وَكَانَ ذَا شِعْرٍ كَثِيرٍ، قَالَ سَعْدٌ: فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي أَيْدِيهِمْ، إِذْ طَلَعَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ رَجُلٌ وَضِيءٌ أَبْيَضُ شَعْشَاعٌ حُلْوٌ مِنَ الرِّجَالِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنْ يَكُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ هَذَا. فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَفْعَ يَدِهِ فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَا وَاللَّهِ، مَا عِنْدَهُمْ بَعْدَ هَذَا مِنْ خَيْرٍ. قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي أَيْدِيهِمْ يَسْحَبُونَنِي، إِذْ أَوَى لِي رَجُلٌ مِمَّنْ مَعَهُمْ، فَقَالَ: وَيْحَكَ أَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ جَوَارٌ وَلَا عَهْدٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أُجِيرُ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ تُجَّارَهُ، وَأَمْنَعُهُمْ مِمَّنْ أَرَادَ ظُلْمَهُمْ بِبِلَادِي، وَلِلْحَارِثِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. فَقَالَ: وَيْحَكَ! فَاهْتِفْ بِاسْمِ الرَّجُلَيْنِ، وَاذْكُرْ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمَا. قَالَ: فَفَعَلْتُ وَخَرَجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَيْهِمَا، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْخَزْرَجِ الْآنَ يُضْرَبُ بِالْأَبْطَحِ لَيَهْتِفُ بِكُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute