فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ خُلِقَ كَذَلِكَ لَا أَطْوَلَ مِنْ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَأَنَّ ذُرِّيَّتَهُ لَمْ يَزَالُوا يَتَنَاقَصُ خَلْقُهُمْ حَتَّى الْآنَ» .
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ قَالَ: يَا آدَمُ إِنَّ لِي حَرَمًا بِحِيَالِ عَرْشِي، فَانْطَلِقْ فَابْنِ لِي فِيهِ بَيْتًا فَطُفْ بِهِ. كَمَا تَطُوفُ مَلَائِكَتِي بِعَرْشِي. وَأَرْسَلَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا فَعَرَّفَهُ مَكَانَهُ، وَعَلَّمَهُ الْمَنَاسِكَ، وَذَكَرَ أَنَّ مَوْضِعَ كُلِّ خَطْوَةٍ خَطَاهَا آدَمُ صَارَتْ قَرْيَةً بَعْدَ ذَلِكَ.
وَعَنْهُ أَنَّ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلَهُ آدَمُ فِي الْأَرْضِ أَنْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِسَبْعِ حَبَّاتٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيتَ عَنْهَا فَأَكَلْتَ مِنْهَا. فَقَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِهَذَا؟ قَالَ: ابْذُرْهُ فِي الْأَرْضِ. فَبَذَرَهُ، وَكَانَ كُلُّ حَبَّةٍ مِنْهَا زِنَتُهَا أَزْيَدُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، فَنَبَتَتْ، فَحَصَدَهُ، ثُمَّ دَرَسَهُ، ثُمَّ ذَرَاهُ، ثُمَّ طَحَنَهُ، ثُمَّ عَجَنَهُ، ثُمَّ خَبَزَهُ، فَأَكَلَهُ بَعْدَ جَهْدٍ عَظِيمٍ، وَتَعَبٍ، وَنَكَدٍ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: ١١٧] . وَكَانَ أَوَّلُ كُسْوَتِهِمَا مِنْ شَعْرِ الضَّأْنِ جَزَّاهُ، ثُمَّ غَزَلَاهُ فَنَسَجَ آدَمُ لَهُ جُبَّةً، وَلِحَوَّاءَ دِرْعًا وَخِمَارًا.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ وُلِدَ لَهُمَا بِالْجَنَّةِ شَيْءٌ مِنَ الْأَوْلَادِ؟ فَقِيلَ: لَمْ يُولَدْ لَهُمَا إِلَّا فِي الْأَرْضِ. وَقِيلَ: بَلْ وُلِدَ لَهُمَا فِيهَا. فَكَانَ قَابِيلُ وَأُخْتُهُ مِمَّنْ وُلِدَ بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يُولَدُ لَهُ فِي كُلِّ بَطْنٍ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، وَأُمِرَ أَنْ يُزَوِّجَ كُلَّ ابْنِ أُخْتِ أَخِيهِ الَّتِي وُلِدَتْ مَعَهُ، وَالْآخَرُ بِالْأُخْرَى، وَهَلُمَّ جَرًّا، وَلَمْ يَكُنْ تَحِلُّ أُخْتٌ لِأَخِيهَا الَّذِي، وُلِدَتْ مَعَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute