وَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا مُلَخَّصَ الْوَقْعَةِ مِمَّا سَاقَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ هَذَا الشَّأْنِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلُّهُمْ قَدْ حَدَّثَ بِبَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ وَقَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلُّهُمْ فِيمَا سُقْتُ، قَالُوا - أَوْ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ -: لَمَّا أُصِيبَ يَوْمَ بِدْرٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ وَرَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِعِيرِهِ، مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهِلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ تِلْكَ الْعِيرُ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ ; فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ، لَعَلَّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرَنَا. فَفَعَلُوا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَفِيهِمْ كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: ٣٥] . قَالُوا: فَأَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُ الْعِيرِ بِأَحَابِيشِهَا وَمَنْ أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَكَانَ أَبُو عَزَّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُمَحِيُّ قَدْ مَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ وَحَاجَةٍ، وَكَانَ فِي الْأُسَارَى، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يَا أَبَا عَزَّةَ، إِنَّكَ امْرُؤٌ شَاعِرٌ، فَأَعِنَّا بِلِسَانِكَ وَاخْرُجْ مَعَنَا. فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَنَّ عَلَيَّ، فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ. قَالَ: بَلَى فَأَعِنَّا بِنَفْسِكَ، فَلَكَ اللَّهُ إِنْ رَجَعْتَ أَنْ أُعِيَنَكَ، وَإِنْ قُتِلْتَ أَنْ أَجْعَلَ بَنَاتِكَ مَعَ بَنَاتِي، يُصِيبُهُنَّ مَا أَصَابَهُنَّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ. فَخَرَجَ أَبُو عَزَّةَ يَسِيرُ فِي تِهَامَةَ وَيَدْعُو بَنِي كِنَانَةَ وَيَقُولُ:
أَيَا بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرُّزَّامْ ... أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ
لَا يَعْدُونِي نَصْرُكُمْ بَعْدَ الْعَامْ ... لَا تُسَلِمُونِي لَا يَحِلُّ إِسْلَامْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute