أَعْوَرُ طَوِيلٌ، يَسُوقُ غَنَمًا وَمِعْزَى، فَدَخَلَ الْغَارَ وَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ. فَقَالَ: وَأَنَا مِنْ بَنِي بَكْرٍ. ثُمَّ اتَّكَأَ وَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ يَتَغَنَّى وَيَقُولُ:
فَلَسْتُ بِمُسْلِمٍ مَا دُمْتُ حَيًّا ... وَلَسْتُ أَدِينُ دِينَ الْمُسْلِمِينَا
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَقْتُلَكَ. فَلَمَّا نَامَ قُمْتُ إِلَيْهِ، فَقَتَلْتُهُ شَرَّ قِتَلَةٍ قَتَلْتُهَا أَحَدًا قَطُّ، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى هَبَطْتُ، فَلَمَّا أَسْهَلْتُ فِي الطَّرِيقِ إِذَا رَجُلَانِ بَعَثَتْهُمَا قُرَيْشٌ يَتَجَسَّسَانِ الْأَخْبَارَ، فَقُلْتُ: اسْتَأْسَرَا. فَأَبَى أَحَدُهُمَا، فَرَمَيْتُهُ فَقَتَلْتُهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْآخَرُ اسْتَأْسَرَ، فَشَدَدْتُهُ وَثَاقًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ رَآنِي صِبْيَانٌ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، وَسَمِعُوا أَشْيَاخَهُمْ يَقُولُونَ: هَذَا عَمْرٌو. فَاشْتَدَّ الصِّبْيَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ، وَأَتَيْتُهُ بِالرَّجُلِ قَدْ رَبَطْتُ إِبْهَامَيْهِ بِوَتَرِ قَوْسِي، فَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ، ثُمَّ دَعَا لِي بِخَيْرٍ. وَكَانَ قُدُومُ سَلَمَةَ قَبْلَ قُدُومِ عَمْرٍو بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عَمْرًا لَمَّا أَهْبَطَ خُبَيْبًا لَمْ يَرَ لَهُ رِمَّةً وَلَا جَسَدًا، فَلَعَلَّهُ دُفِنَ مَكَانَ سُقُوطِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ السَّرِيَّةُ إِنَّمَا اسْتَدْرَكَهَا ابْنُ هِشَامٍ عَلَى ابْنِ إِسْحَاقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute