وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ، تَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ قَالَ: وَلَقِيَهُمُ الصِّبْيَانُ يَشْتَدُّونَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابَّةٍ، فَقَالَ: " خُذُوا الصِّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ، وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ ". فَأُتِي بِعَبْدِ اللَّهِ، فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: وَجَعَلَ النَّاسُ يَحْثُونَ عَلَيْهِمْ بِالتُّرَابِ وَيَقُولُونَ: يَا فُرَّارُ، فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَيْسُوا بِالْفُرَّارِ، وَلَكِنَّهُمُ الْكُرَّارُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» ". وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ. وَعِنْدِي أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ قَدْ وَهِمَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، فَظَنَّ أَنَّ هَذَا لِجُمْهُورِ الْجَيْشِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلَّذِينِ فَرُّوا حِينَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَأَمَّا بَقِيَّتُهُمْ فَلَمْ يَفِرُّوا، بَلْ نُصِرُوا، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فِي قَوْلِهِ: " «ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» ". فَمَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ لِيُسَمُّوهُمْ فُرَّارًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَلَقَّوْهُمْ، إِكْرَامًا لَهُمْ وَإِعْظَامًا، وَإِنَّمَا كَانَ التَّأْنِيبُ وَحَثْيُ التُّرَابِ لِلَّذِينِ فَرُّوا وَتَرَكُوهُمْ هُنَالِكَ، وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute