فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الدُّنْيَا فِيمَا ذَكَرُوا أَرْبَعَةٌ مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ، فَالْمُؤْمِنَانِ؛ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَسُلَيْمَانُ. وَالْكَافِرَانِ؛ النُّمْرُودُ وبُخْتُنَصَّرَ، وَذَكَرُوا أَنَّ نُمْرُودًا هَذَا اسْتَمَرَّ فِي مُلْكِهِ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ قَدْ طَغَا وَبَغَا وَتَجَبَّرَ وَعَتَا، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَلَمَّا دَعَاهُ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ حَمَلَهُ الْجَهْلُ وَالضَّلَالُ وَطُولُ الْإِمْهَالِ عَلَى إِنْكَارِ الصَّانِعِ، فَحَاجَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ فِي ذَلِكَ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ الرُّبُوبِيَّةَ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ الْخَلِيلُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ.
قَالَ قَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا أُتِيَ بِالرَّجُلَيْنِ قَدْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُمَا فَإِذَا أَمَرَ بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا، وَعَفَا عَنِ الْآخَرِ، فَكَأَنَّهُ قَدْ أَحْيَا هَذَا وَأَمَاتَ الْآخَرَ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُعَارَضَةٍ لِلْخَلِيلِ، بَلْ هُوَ كَلَامٌ خَارِجِيٌّ عَنْ مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ لَيْسَ بِمَنْعٍ وَلَا بِمُعَارَضَةٍ، بَلْ هُوَ تَشْغِيبٌ مَحْضٌ، وَهُوَ انْقِطَاعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ الْخَلِيلَ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ بِحُدُوثِ هَذِهِ الْمُشَاهَدَاتِ؛ مِنْ إِحْيَاءِ الْحَيَوَانَاتِ، وَمَوْتِهَا عَلَى وُجُودِ فَاعِلِ ذَلِكَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنِ اسْتِنَادِهَا إِلَى وُجُودِهِ ضَرُورَةً، وَعَدَمِ قِيَامِهَا بِنَفْسِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ فَاعِلٍ لِهَذِهِ الْحَوَادِثِ الْمُشَاهَدَةِ؛ مِنْ خَلْقِهَا، وَتَسْخِيرِهَا، وَتَسْيِيرِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ، وَالرِّيَاحِ، وَالسَّحَابِ، وَالْمَطَرِ، وَخَلْقِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تُوجَدُ مُشَاهَدَةً، ثُمَّ إِمَاتَتِهَا. وَلِهَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ. فَقَوْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute