للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الْمَلِكِ الْجَاهِلِ: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: ٢٥٨] . إِنْ عَنَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ لِهَذِهِ الْمُشَاهَدَاتِ فَقَدْ كَابَرَ وَعَانَدَ، وَإِنْ عَنَى مَا ذَكَرَهُ قَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الْخَلِيلِ؛ إِذْ لَمْ يَمْنَعْ مُقَدِّمَةً وَلَا عَارَضَ الدَّلِيلَ، وَلَمَّا كَانَ انْقِطَاعُ مُنَاظَرَةِ هَذَا الْمَلِكِ قَدْ تَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ حَضَرَهُ وَغَيْرِهِمْ، ذَكَرَ دَلِيلًا آخَرَ بَيَّنَ وُجُودَ الصَّانِعِ وَبُطْلَانَ مَا ادَّعَاهُ النُّمْرُودُ، وَانْقِطَاعَهُ جَهْرَةً {قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: ٢٥٨] . أَيْ هَذِهِ الشَّمْسُ مُسَخَّرَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ مِنَ الْمَشْرِقِ كَمَا سَخَّرَهَا خَالِقُهَا وَمُسَيِّرُهَا وَقَاهِرُهَا، وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنْ كُنْتَ كَمَا زَعَمْتَ مِنْ أَنَّكَ الَّذِي تُحْيِي وَتُمِيتُ، فَأْتِ بِهَذِهِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَلَا يُمَانَعُ وَلَا يُغَالَبُ، بَلْ قَدْ قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ، وَدَانَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، فَإِنْ كُنْتَ كَمَا تَزْعُمُ فَافْعَلْ هَذَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْهُ فَلَسْتَ كَمَا زَعَمْتَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ وَكُلُّ أَحَدٍ أَنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، بَلْ أَنْتَ أَعْجَزُ وَأَقَلُّ مِنْ أَنْ تَخْلُقَ بَعُوضَةً أَوْ تَنْتَصِرَ مِنْهَا فَبَيَّنَ ضَلَالَهُ وَجَهْلَهُ، وَكَذِبَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ وَبُطْلَانَ مَا سَلَكَهُ وَتَبَجَّحَ بِهِ عِنْدَ جَهَلَةِ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ كَلَامٌ يُجِيبُ الْخَلِيلَ بِهِ، بَلِ انْقَطَعَ وَسَكَتَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: ٢٥٨] .

وَقَدْ ذَكَرَ السُّدِّيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ كَانَتْ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ النُّمْرُودِ يَوْمَ خَرَجَ مِنَ النَّارِ، وَلَمْ يَكُنِ اجْتَمَعَ بِهِ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>