للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُدْبِرِينَ، فَقَالَ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ: لَقَدْ حَزَرْتُ مَنْ بَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَدْبَرَ النَّاسُ، فَقُلْتُ: مِائَةُ رَجُلٍ. قَالُوا: وَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَقَالَ: أَبْشِرْ بِهَزِيمَةِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَوَاللَّهِ لَا يَجْتَبِرُونَهَا أَبَدًا. فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: تُبَشِّرُنِي بِظُهُورِ الْأَعْرَابِ! فَوَاللَّهِ لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَبٍّ مِنَ الْأَعْرَابِ. وَغَضِبَ صَفْوَانُ لِذَلِكَ. قَالَ مُوسَى: وَبَعَثَ صَفْوَانُ غُلَامًا لَهُ فَقَالَ: اسْمَعْ لِمَنِ الشِّعَارُ؟ فَجَاءَهُ فَقَالَ: سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ، يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ. فَقَالَ: ظَهَرَ مُحَمَّدٌ. وَكَانَ ذَلِكَ شِعَارَهُمْ فِي الْحَرْبِ. قَالُوا: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَشِيَهُ الْقِتَالُ قَامَ فِي الرِّكَابَيْنِ وَهُوَ عَلَى الْبَغْلَةِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ يَدْعُوهُ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْنَا ". وَنَادَى أَصْحَابَهُ وَذَمَّرَهُمْ: " يَا أَصْحَابَ الْبَيْعَةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ اللَّهَ اللَّهَ، الْكَرَّةَ عَلَى نَبِيِّكُمْ ". وَيُقَالُ: حَرَّضَهُمْ فَقَالَ: " يَا أَنْصَارَ اللَّهِ وَأَنْصَارَ رَسُولِهِ، يَا بَنِي الْخَزْرَجِ، يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ". وَأَمَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ يُنَادِي بِذَلِكَ. قَالُوا: وَقَبَضَ قَبْضَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ، فَحَصَبَ بِهَا وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ وَنَوَاحِيَهُمْ كُلَّهَا، وَقَالَ: " شَاهَتِ الْوُجُوهُ ". وَأَقْبَلَ أَصْحَابُهُ إِلَيْهِ سِرَاعًا يَبْتَدِرُونَ، وَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ ". فَهَزَمَ اللَّهُ أَعْدَاءَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَصَبَهُمْ مِنْهَا، وَاتَّبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ، وَغَنَّمَهُمُ اللَّهُ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَفَرَّ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ حَتَّى دَخَلَ حِصْنَ الطَّائِفِ هُوَ وَأُنَاسٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>