وَفِي إِعْمَارِهَا مِنَ التَّنْعِيمِ وَمُصَادَفَتِهَا لَهُ مُنْهَبِطًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَبَيْتُوتَتِهِ بِالْمُحَصَّبِ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ.» وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ حَجَّتِهِ تِلْكَ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ نَقَلَهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَلَا رَوَى أَحَدٌ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بَعْدَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَلَقَ وَلَا قَصَّرَ وَلَا تَحَلَّلَ، بَلِ اسْتَمَرَّ عَلَى إِحْرَامِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَهَلَّ بِحَجٍّ لَمَّا سَارَ إِلَى مِنًى، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا. وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، اعْتَمَرَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَلَمْ يَتَحَلَّلْ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَلَا أَنْشَأَ إِحْرَامًا لِلْحَجِّ، وَلَا اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ، فَلَزِمَ الْقِرَانُ وَهَذَا مِمَّا يَعْسُرُ الْجَوَابُ عَنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ رِوَايَةَ الْقِرَانِ مُثْبِتَةٌ لِمَا سَكَتَ عَنْهُ أَوْ نَفَاهُ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ، فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهَا، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ.
وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ مَوَالِيهِ، قَالَ: «فَأَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي لَمْ أَحُجَّ قَطُّ، فَبِأَيِّهِمَا أَبْدَأُ ; بِالْعُمْرَةِ أَمْ بِالْحَجِّ؟ قَالَتْ: ابْدَأْ بِأَيِّهِمَا شِئْتَ. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ صَفِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ لِي مِثْلَ مَا قَالَتْ. قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرْتُهَا بِقَوْلِ صَفِيَّةَ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَا آلَ مُحَمَّدٍ، مَنْ حَجَّ مِنْكُمْ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute