يَسْتَنْكِفُونَ، وَلَا يَرْعَوُونَ لِوَعْظِ وَاعِظٍ، وَلَا نَصِيحَةٍ مِنْ نَاقِلٍ، وَكَانُوا فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ كَالْأَنْعَامِ بَلْ أَضَلُّ سَبِيلًا، وَلَمْ يُقْلِعُوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْحَاضِرِ، وَلَا نَدِمُوا عَلَى مَا سَلَفَ مِنَ الْمَاضِي، وَلَا رَامُوا فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَحْوِيلًا، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ أَخَذًا وَبِيلًا، وَقَالُوا لَهُ فِيمَا قَالُوا: {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت: ٢٩] . فَطَلَبُوا مِنْهُ وُقُوعَ مَا حَذَّرَهُمْ عَنْهُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَحُلُولِ الْبَأْسِ الْعَظِيمِ فَعِنْدَ ذَلِكَ دَعَا عَلَيْهِمْ نَبِيُّهُمُ الْكَرِيمُ فَسَأَلَ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَإِلَهِ الْمُرْسَلِينَ أَنْ يَنْصُرَهُ عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ فَغَارَ اللَّهُ لِغَيْرَتِهِ، وَغَضِبَ لِغَضْبَتِهِ، وَاسْتَجَابَ لِدَعْوَتِهِ، وَأَجَابَهُ إِلَى طِلْبَتِهِ، وَبَعَثَ رُسُلَهُ الْكِرَامَ، وَمَلَائِكَتَهُ الْعِظَامَ فَمَرُّوا عَلَى الْخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَشَّرُوهُ بِالْغُلَامِ الْعَلِيمِ، وَأَخْبَرُوهُ بِمَا جَاءُوا لَهُ مِنَ الْأَمْرِ الْجَسِيمِ، وَالْخَطْبِ الْعَمِيمِ {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات: ٣١] . وَقَالَ: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت: ٣١] . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: ٧٤] . وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَرْجُو أَنْ يُنِيبُوا وَيُسْلِمُوا وَيُقْلِعُوا وَيَرْجِعُوا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود: ٧٥] . أَيْ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا، وَتَكَلَّمْ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَدْ حُتِمَ أَمْرُهُمْ، وَوَجَبَ عَذَابُهُمْ وَتَدْمِيرُهُمْ وَهَلَاكُهُمْ. {إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هود: ٧٦] . أَيْ قَدْ أَمَرَ بِهِ مَنْ لَا يُرَدُّ أَمْرُهُ، وَلَا يُرَدُّ بِأْسُهُ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود: ٧٦] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute