قُلْنَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَهُمُ الظَّهْرَ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَا يَوْمَ السَّبْتِ، وَلَا يَوْمَ الْأَحَدِ كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ " مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ "، وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ خُطْبَتِهِ بَعْدَهَا، وَلِأَنَّهُ انْقَطَعَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةَ، وَالسَّبْتِ، وَالْأَحَدِ، وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَوَامِلُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِهِمْ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً. وَقَالَ غَيْرُهُ: عِشْرِينَ صَلَاةً. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ بَدَا لَهُمْ وَجْهُهُ الْكَرِيمُ صَبِيحَةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَوَدَّعَهُمْ بِنَظْرَةٍ كَادُوا يَفْتَتِنُونَ بِهَا، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ آخِرَ عَهْدِ جُمْهُورِهِمْ بِهِ، وَلِسَانُ حَالِهِمْ يَقُولُ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَكُنْتُ أَرَى كَالْمَوْتِ مِنْ بَيْنِ سَاعَةٍ ... فَكَيْفَ بِبَيْنٍ كَانَ مَوْعِدَهُ الْحَشْرُ
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: فَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، احْتَجَبَ عَنْهُمْ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَصَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا قَالَ عُرْوَةُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَوْ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ الْخَبَرِ وَسَكَتَ عَنْ آخِرِهِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَيْضًا بَعِيدٌ جِدًّا ; لِأَنَّ أَنَسًا قَالَ: فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ. وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ التَّابِعِيِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ إِمَامًا لِلصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute