الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حِينَ صَلَّى بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ قَاعِدًا، وَقَدْ وَقَعَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «كَذَلِكَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ تَفْعَلُونَ كَفِعْلِ فَارِسَ وَالرُّومِ; يَقُومُونَ عَلَى عُظَمَائِهِمْ وَهُمْ جُلُوسٌ. وَقَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» قَالُوا: ثُمَّ إِنَّهُ، ﵊، أَمَّهُمْ قَاعِدًا، وَهُمْ قِيَامٌ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ مَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَنَوَّعَتْ مَسَالِكُ النَّاسِ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، مَوْضِعُ ذِكْرِهَا كِتَابُ «الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ» إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الصَّحَابَةَ جَلَسُوا لِأَمْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنَّمَا اسْتَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا لِأَجْلِ التَّبْلِيغِ عَنْهُ ﷺ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: بَلْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْإِمَامُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لِشِدَّةِ أَدَبِهِ مَعَ الرَّسُولِ ﷺ لَا يُبَادِرُهُ بَلْ يَقْتَدِي بِهِ، فَكَأَنَّهُ ﵊، صَارَ إِمَامَ الْإِمَامِ، فَلِهَذَا لَمْ يَجْلِسُوا لِاقْتِدَائِهِمْ بِأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ قَائِمٌ وَلَمْ يَجْلِسِ الصِّدِّيقُ لِأَجْلِ أَنَّهُ إِمَامٌ، وَلِأَنَّهُ يُبَلِّغُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالِانْتِقَالَاتِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَبْتَدِئَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute