قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، وَغَيْرُهُمْ: رَأَى يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ صَغِيرٌ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ كَأَنَّ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا، وَهُمْ إِشَارَةٌ إِلَى بَقِيَّةِ إِخْوَتِهِ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ أَبَوَيْهِ قَدْ سَجَدُوا لَهُ فَهَالَهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَصَّهَا عَلَى أَبِيهِ فَعَرَفَ أَبُوهُ أَنَّهُ سَيَنَالُ مَنْزِلَةً عَالِيَةً وَرِفْعَةً عَظِيمَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِحَيْثُ يَخْضَعُ لَهُ أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ فِيهَا، فَأَمَرَهُ بِكِتْمَانِهَا وَأَنْ لَا يَقُصَّهَا عَلَى إِخْوَتِهِ كَيْلَا يَحْسُدُوهُ، وَيَبْغُوا لَهُ الْغَوَائِلَ وَيَكِيدُوهُ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ وَالْمَكْرِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ «. اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِكِتْمَانِهَا فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ» . وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ قَصَّهَا عَلَى أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ مَعًا. وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُمْ {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} [يوسف: ٦] . أَيْ وَكَمَا أَرَاكَ هَذِهِ الرُّؤْيَا الْعَظِيمَةَ فَإِذَا كَتَمْتَهَا {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} [يوسف: ٦] أَيْ يَخُصُّكَ بِأَنْوَاعِ اللُّطْفِ وَالرَّحْمَةِ {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: ٦] . أَيْ يُفَهِّمُكَ مِنْ مَعَانِي الْكَلَامِ، وَتَعْبِيرِ الْمَنَامِ مَالَا يَفْهَمُهُ غَيْرُكَ {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [يوسف: ٦] . أَيْ بِالْوَحْي إِلَيْكَ {وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} [يوسف: ٦] . أَيْ بِسَبَبِكَ، وَيَحْصُلُ لَهُمْ بِكَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف: ٦] . أَيْ يُنْعِمُ عَلَيْكَ وَيُحْسِنُ إِلَيْكَ بِالنُّبُوَّةِ، كَمَا أَعْطَاهَا أَبَاكَ يَعْقُوبَ وَجَدَّكَ إِسْحَاقَ وَوَالِدَ جَدِّكَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: ٦] . كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤] .
وَلِهَذَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute