الْبِدَعِ مَنْ قَصَّرَ فِي اتِّبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، تَلَقَّى ذَلِكَ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ أُمَّتُهُ، فَكُلُّ عِلْمٍ نَافِعٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ عَلَيْهِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذُوهُ عَنْ نَبِيِّهِمْ، مَعَ مَا يَظْهَرُ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنَّ أُمَّتَهُ أَكْمَلُ الْأُمَمِ فِي جَمِيعِ الْفَضَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ فِي الْفَرْعِ الْمُتَعَلِّمِ هُوَ فِي الْأَصْلِ الْمُعَلِّمِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ أَكْمَلَ النَّاسِ عِلْمًا وَدِينًا، وَهَذِهِ الْأُمُورُ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِأَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨] لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا مُفْتَرِيًا، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَقُولُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ وَأَكْمَلِهِمْ إِنْ كَانَ صَادِقًا، أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ وَأَخْبَثِهِمْ إِنْ كَانَ كَاذِبًا، وَمَا ذُكِرَ مِنْ كَمَالِ عِلْمِهِ وَدِينِهِ يُنَاقِضُ الشَّرَّ وَالْخُبْثَ وَالْجَهْلَ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِغَايَةِ الْكَمَالِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ} [الأعراف: ١٥٨] لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَكُنْ صَادِقًا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ أَوْ مُخْطِئًا، وَالْأَوَّلُ يُوجِبُ أَنَّهُ كَانَ ظَالِمًا غَاوِيًا، وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَالُ عِلْمِهِ يُنَافِي جَهْلَهُ، وَكَمَالُ دِينِهِ يُنَافِي تَعَمُّدَ الْكَذِبِ، فَالْعِلْمُ بِصِفَاتِهِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ، وَلَمْ يَكُنْ جَاهِلًا يَكْذِبُ بِلَا عِلْمٍ، وَإِذَا انْتَفَى هَذَا وَذَاكَ تَعَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا عَالِمًا بِأَنَّهُ صَادِقٌ؛ وَلِهَذَا نَزَّهَهُ اللَّهُ عَنْ هَذَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ١] ثُمَّ قَالَ عَنْهُ: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: ٢٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute