للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امْرَأَةٌ لِحَاجَةٍ غَطَّى وَجْهَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ فِي الْغَالِبِ مُبَرْقَعًا لِئَلَّا يَرَاهُ النَّاسُ. وَلِهَذَا لَمَّا قَامَ عَذَرَ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ فِي مَحَبَّتِهَا لِهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَجَرَى لَهُنَّ وَعَلَيْهِنَّ مَا جَرَى مِنْ تَقْطِيعِ أَيْدِيهِنَّ بِجِرَاحِ السَّكَاكِينِ، وَمَا رَكِبَهُنَّ مِنَ الْمَهَابَةِ، وَالدَّهَشِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، وَمُعَايَنَتِهِ قَالَتْ: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: ٣٢] ثُمَّ مَدَحَتْهُ بِالْعِفَّةِ التَّامَّةِ فَقَالَتْ: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: ٣٢] . أَيِ امْتَنَعَ {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: ٣٢] . وَكَانَ بَقِيَّةُ النِّسَاءِ حَرَّضْنَهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِسَيِّدَتِهِ فَأَبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ وَنَأَى لِأَنَّهُ مِنْ سُلَالَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَدَعَا فَقَالَ فِي دُعَائِهِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: ٣٣] . يَعْنِي: إِنْ وَكَلْتَنِي إِلَى نَفْسِي فَلَيْسَ لِي مِنْ نَفْسِي إِلَّا الْعَجْزُ وَالضَّعْفُ، وَلَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَنَا ضَعِيفٌ إِلَّا مَا قَوَّيْتَنِي وَعَصَمْتَنِي وَحَفِظْتَنِي وَحُطْتَنِي بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: ٣٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>