للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرُّومِ: ١ - ٦] . وَهَذَا الْوَعْدُ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا غَلَبَتْ فَارِسُ الرُّومَ فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ، وَاغْتَمَّ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ; لِأَنَّ النَّصَارَى أَقْرَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنَ الْمَجُوسِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ الْفُرْسَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِبِضْعِ سِنِينَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ مُرَاهِنَةِ الصِّدِّيقِ رُءُوسَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سَيَقَعُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، مَا هُوَ مَشْهُورٌ كَمَا قَرَّرْنَا فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ "، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ; غَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ بَعْدَ غَلَبَهِمْ غَلَبًا عَظِيمًا جِدًّا، وَقِصَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بَسْطُهَا، وَقَدْ شَرَحْنَاهَا فِي " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: ٥٣] . وَكَذَلِكَ وَقَعَ; أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ وَدَلَائِلِهِ فِي أَنْفُسِ الْبَشَرِ وَفِي الْآفَاقِ; بِمَا أَوْقَعَهُ مِنَ النَّاسِ بِأَعْدَاءِ النُّبُوَّةِ وَمُخَالِفِي الشَّرْعِ; مِمَّنْ كَذَّبَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَالْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ مَا دَلَّ ذَوِي الْبَصَائِرِ وَالنُّهَى عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ عَنِ اللَّهِ صِدْقٌ، وَقَدْ أَوْقَعَ اللَّهُ لَهُ فِي صُدُورِ أَعْدَائِهِ وَقُلُوبِهِمْ رُعْبًا وَمَهَابَةً وَخَوْفًا، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>