للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخَانَا لِأَنَّهُ سَرَقَ أَمْرٌ اشْتَهَرَ بِمِصْرَ، وَعَلِمَهُ الْعِيرُ الَّتِي كُنَّا نَحْنُ وَهُمْ هُنَاكَ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ. أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَمْ يَسْرِقْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِسَجِيَّةٍ لَهُ، وَلَا خُلُقَهُ، وَإِنَّمَا سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَغَيْرُهُ: لَمَّا كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْهُمْ فِي بِنْيَامِينَ مُتَرَتِّبًا عَلَى صَنِيعِهِمْ فِي يُوسُفَ قَالَ لَهُمْ مَا قَالَ. وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ مِنْ جَزَاءِ السَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ بَعْدَهَا. ثُمَّ قَالَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا. يَعْنِي يُوسُفَ وَبِنْيَامِينَ وَرُوبِيلَ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ. أَيْ بِحَالِي، وَمَا أَنَا فِيهِ مِنْ فِرَاقِ الْأَحِبَّةِ الْحَكِيمُ فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيَفْعَلُهُ وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ أَيْ أَعْرَضَ عَنْ بَنِيهِ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ.

ذَكَّرَهُ حُزْنُهُ الْجَدِيدُ بِالْحُزْنِ الْقَدِيمِ وَحَرَّكَ مَا كَانَ كَامِنًا، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:

نَقِّلْ فُؤَادَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْهَوَى … مَا الْحُبُّ إِلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ

وَقَالَ آخَرُ:

لَقَدْ لَامَنِي عِنْدَ الْقُبُورِ عَلَى الْبُكَا … رَفِيقِي لِتَذْرَافِ الدُّمُوعِ السَّوَافِكِ

فَقَالَ: أَتَبْكِي كُلَّ قَبْرٍ رَأَيْتَهُ … لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى فَالدَّكَادِكِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>