يَعْنِي: أَنَا يُوسُفُ الَّذِي صَنَعْتُمْ مَعَهُ مَا صَنَعْتُمْ، وَسَلَفَ مِنْ أَمْرِكُمْ فِيهِ مَا فَرَّطْتُمْ. وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَخِي تَأْكِيدٌ لِمَا قَالَ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَا كَانُوا أَضْمَرُوا لَهُمَا مِنَ الْحَسَدِ، وَأَعْمَلُوا فِي أَمْرِهِمَا مِنَ الِاحْتِيَالِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا. أَيْ بِإِحْسَانِهِ إِلَيْنَا، وَصَدَقَتِهِ عَلَيْنَا، وَإِيوَائِهِ لَنَا، وَشَدِّهِ مَعَاقِدَ عِزِّنَا، وَذَلِكَ بِمَا أَسْلَفْنَا مِنْ طَاعَتِهِ، وَصَبْرِنَا عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ إِلَيْنَا، وَطَاعَتِنَا وَبِرِّنَا لِأَبِينَا، وَمَحَبَّتِهِ الشَّدِيدَةِ لَنَا، وَشَفَقَتِهِ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا. أَيْ فَضَّلَكَ، وَأَعْطَاكَ مَا لَمْ يُعْطِنَا: وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ. أَيْ فِيمَا أَسْدَيْنَا إِلَيْكَ، وَهَا نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ. أَيْ لَسْتُ أُعَاتِبُكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا، ثُمَّ زَادَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ. وَابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ. فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَذْهَبُوا بِقَمِيصِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ فَيَضَعُوهُ عَلَى عَيْنَيْ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِ بَصَرُهُ بَعْدَ مَا كَانَ ذَهَبَ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَدَلَائِلِ النُّبُوَّاتِ وَأَكْبَرِ الْمُعْجِزَاتِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَمَّلُوا بِأَهْلِهِمْ أَجْمَعِينَ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ إِلَى الْخَيْرِ وَالدَّعَةِ وَجَمْعِ الشَّمْلِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَأَعْلَى الْأُمُورِ.
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يُوسُفَ: ٩٤ - ٩٨].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute