للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَجَعَلَ الْوِلْدَانُ وَالْغِلْمَانُ يَطْعَنُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ، وَيَقُولُونَ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، ارْتَدَدْتَ عَنِ الْإِسْلَامِ؟ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ آمَنْتُ قَطُّ. فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الصِّدِّيقِ اسْتَتَابَهُ وَحَقَنَ دَمَهُ، ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنَّ عَلَى قُرَّةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، وَكَانَ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ مَعَ طُلَيْحَةَ، فَأَسَرَهُ مَعَ عُيَيْنَةَ، وَأَمَّا طُلَيْحَةُ فَإِنَّهُ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَذَهَبَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا أَيَّامَ الصِّدِّيقِ وَاسْتَحْيَا أَنْ يُوَاجِهَهُ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ وَقَدْ رَجَعَ فَشَهِدَ الْقِتَالَ مَعَ خَالِدٍ، وَكَتَبَ الصِّدِّيقُ إِلَى خَالِدٍ أَنِ اسْتَشِرْهُ فِي الْحَرْبِ وَلَا تُؤَمِّرْهُ، يَعْنِي مُعَامَلَتَهُ لَهُ بِنَقِيضِ مَا كَانَ قَصَدَهُ مِنَ الرِّيَاسَةِ فِي الْبَاطِلِ. وَهَذَا مِنْ فِقْهِ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

وَقَدْ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لِبَعْضِ أَصْحَابِ طُلَيْحَةَ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ: أَخْبِرْنَا عَمَّا كَانَ يَقُولُ لَكُمْ طُلَيْحَةُ مِنَ الْوَحْيِ. فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَالْحَمَامِ وَالْيَمَامِ، وَالصُّرَدِ الصَّوَّامِ، قَدْ صُمْنَ قَبْلَكُمْ بِأَعْوَامٍ، لَيَبْلُغَنَّ مُلْكُنَا الْعِرَاقَ وَالشَّامَ. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْهَذَيَانَاتِ السَّمِجَةِ.

وَقَدْ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حِينَ جَاءَهُ أَنَّهُ كَسَرَ طُلَيْحَةَ وَمَنْ كَانَ فِي صَفِّهِ، وَقَامَ بِنَصْرِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لِيَزِدْكَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا، وَاتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، جِدَّ فِي أَمْرِكَ وَلَا تَنِيَنَّ، وَلَا تَظْفَرْ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا نَكَّلَتَ بِهِ، وَمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>