السَّرَايَا فِي الْبُطَاحِ يَدْعُونَ النَّاسَ، فَاسْتَقْبَلَهُ أُمَرَاءُ بَنِي تَمِيمٍ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَبَذَلُوا الزِّكْوَاتِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، فَإِنَّهُ مُتَحَيِّرٌ فِي أَمْرِهِ، مُتَنَحٍّ عَنِ النَّاسِ، فَجَاءَتْهُ السَّرَايَا فَأَسَرُوهُ وَأَسَرُوا مَعَهُ أَصْحَابَهُ، وَاخْتَلَفَتِ السَّرِيَّةُ فِيهِمْ، فَشَهِدَ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيِّ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُمْ أَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُمْ لَمْ يُؤَذِّنُوا وَلَا صَلَّوْا. فَيُقَالُ: إِنَّ الْأُسَارَى بَاتُوا فِي كُبُولِهِمْ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَنَادَى مُنَادِي خَالِدٍ أَنْ دَافِئُوا أَسْرَاكُمْ. فَظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَتْلَ، فَقَتَلُوهُمْ، وَقَتَلَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، فَلَمَّا سَمِعَ خَالِدٌ الْوَاعِيَةَ خَرَجَ وَقَدْ فَرَغُوا مِنْهُمْ، فَقَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا أَصَابَهُ. وَاصْطَفَى خَالِدٌ امْرَأَةَ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وَهِيَ أُمُّ تَمِيمٍ ابْنَةُ الْمِنْهَالِ، وَكَانَتْ جَمِيلَةً، فَلَمَّا حَلَّتْ بَنَى بِهَا. وَيُقَالُ: بَلِ اسْتَدْعَى خَالِدٌ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ فَأَنَّبَهُ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ مُتَابَعَةِ سَجَاحِ، وَعَلَى مَنْعِهِ الزَّكَاةَ، وَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا قَرِينَةُ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ كَانَ يَزْعُمُ ذَلِكَ. فَقَالَ: أَهْوَ صَاحِبُنَا وَلَيْسَ بِصَاحِبِكَ؟ ! يَا ضِرَارُ، اضْرِبْ عُنُقَهُ. فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَمَرَ بِرَأْسِهِ فَجُعِلَ مَعَ حَجَرَيْنِ، وَطُبِخَ عَلَى الثَّلَاثَةِ قِدْرًا، فَأَكَلَ مِنْهَا خَالِدٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لِيُرْهِبَ بِذَلِكَ الْأَعْرَابَ مِنَ الْمُرْتَدَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَيُقَالُ: إِنَّ شَعْرَ مَالِكٍ جَعَلَتِ النَّارُ تَعْمَلُ فِيهِ إِلَى أَنْ نَضِجَ لَحْمِ الْقِدْرِ، وَلَمْ يَفَرُغَ الشَّعْرُ لِكَثْرَتِهِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ أَبُو قَتَادَةَ مَعَ خَالِدٍ فِيمَا صَنَعَ، وَتَقَاوَلَا فِي ذَلِكَ، حَتَّى ذَهَبَ أَبُو قَتَادَةَ فَشَكَاهُ إِلَى الصِّدِّيقِ، وَتَكَلَّمَ عُمَرُ مَعَ أَبِي قَتَادَةَ فِي خَالِدٍ، وَقَالَ لِلصَّدِيقِ: اعْزِلْهُ، فَإِنَّ فِي سَيْفِهِ رَهَقًا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا أَشْيَمُ سَيْفًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute