للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَا ابْنُ الْوَلِيدِ الْعَوْدِ، أَنَا ابْنُ عَامِرٍ وَزَيْدِ. ثُمَّ نَادَى بِشِعَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ شِعَارُهُمْ يَوْمَئِذٍ: يَا مُحَمَّدَاهْ. وَجَعَلَ لَا يَبْرُزُ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلَهُ، وَلَا يَدْنُو مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا أَكَلَهُ، وَدَارَتْ رَحَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ اقْتَرَبَ مِنْ مُسَيْلِمَةَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّصَفَ وَالرُّجُوعَ إِلَى الْحَقِّ، فَجَعَلَ شَيْطَانُ مُسَيْلِمَةَ يَلْوِي عُنُقَهُ، لَا يَقْبَلُ مِنْهُ شَيْئًا، وَكُلَّمَا أَرَادَ مُسَيْلِمَةُ يُقَارِبُ مِنَ الْأَمْرِ صَرَفَهُ عَنْهُ شَيْطَانُهُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ خَالِدٌ، وَقَدْ مَيَّزَ خَالِدٌ الْمُهَاجِرِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَكُلُّ بَنِي أَبٍ عَلَى رَايَتِهِمْ، يُقَاتِلُونَ تَحْتَهَا، حَتَّى يَعْرِفَ النَّاسُ مِنْ أَيْنَ يُؤْتَوْنَ، وَصَبَرَتِ الصَّحَابَةُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ صَبْرًا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ، وَلَمْ يَزَالُوا يَتَقَدَّمُونَ إِلَى نُحُورِ عَدُّوِهِمْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَوَلَّى الْكُفَّارُ الْأَدْبَارَ، وَاتَّبَعُوهُمْ يُقَتِّلُونَ فِي أَقْفَائِهِمْ، وَيَضَعُونَ السُّيُوفَ فِي رِقَابِهِمْ حَيْثُ شَاءُوا، حَتَّى أَلْجَأُوهُمْ إِلَى حَدِيقَةِ الْمَوْتِ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِمْ مُحَكَّمُ الْيَمَامَةِ، وَهُوَ مُحَكَّمُ بْنُ الطُّفَيْلِ، لَعَنَهُ اللَّهُ بِدُخُولِهَا، فَدَخَلُوهَا وَفِيهَا عَدُوُّ اللَّهِ مُسَيْلِمَةُ، لَعَنَهُ اللَّهُ، وَأَدْرَكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مُحَكَّمُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فِي عُنُقِهِ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَتَلَهُ، وَأَغْلَقَتْ بَنُو حَنِيفَةَ الْحَدِيقَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَحَاطَ بِهِمُ الصَّحَابَةُ، وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَلْقُونِي عَلَيْهِمْ فِي الْحَدِيقَةِ. فَاحْتَمَلُوهُ فَوْقَ الْحَجَفِ وَرَفَعُوهَا بِالرِّمَاحِ حَتَّى أَلْقَوْهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ سُورِهَا، فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُهُمْ دُونَ بَابِهَا حَتَّى فَتَحَهُ، وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ الْحَدِيقَةَ مِنْ حِيطَانِهَا وَأَبْوَابِهَا يَقْتُلُونَ مِنْ فِيهَا مِنَ الْمُرْتَدَّةِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، حَتَّى خَلَصُوا إِلَى مُسَيْلِمَةَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، وَإِذَا هُوَ وَاقِفٌ فِي ثُلْمَةِ جِدَارٍ، كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ، وَهُوَ مُزْبِدٌ مُتَسَانِدٌ، لَا يَعْقِلُ مِنَ الْغَيْظِ، وَكَانَ إِذَا اعْتَرَاهُ شَيْطَانُهُ أَزَبَدَ حَتَّى يَخْرُجَ الزَّبَدُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>