للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا قَدِمَتْ وُفُودُ بَنِي حَنِيفَةَ عَلَى الصِّدِّيقِ قَالَ لَهُمْ: أَسْمِعُونَا شَيْئًا مِنْ قُرْآنِ مُسَيْلِمَةَ. فَقَالُوا: أَوَتَعْفِينَا يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالُوا: كَانَ يَقُولُ: يَا ضِفْدَعُ بَنَتَ الضِّفْدَعِينْ، نَقِّي كَمْ تَنِقِّينْ، لَا الْمَاءَ تُكَدِّرِينْ، وَلَا الشَّارِبَ تَمْنَعِينْ، رَأْسُكِ فِي الْمَاءِ وَذَنَبُكِ فِي الطِّينْ. وَكَانَ يَقُولُ: وَالْمُبَذِّرَاتِ زَرْعًا، وَالْحَاصِدَاتِ حَصْدًا، وَالذَّارِيَاتِ قَمْحًا، وَالطَّاحِنَاتِ طِحْنًا، وَالْخَابِزَاتِ خَبْزًا، وَالثَّارِدَاتِ ثَرْدًا، وَاللَّاقِمَاتِ لَقْمًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا، لَقَدْ فُضِّلْتُمْ عَلَى أَهْلِ الْوَبَرِ، وَمَا سَبَقَكُمْ أَهْلُ الْمَدَرِ، رَفِيقَكُمْ فَامْنَعُوهُ، وَالْمُعْتَرَّ فَآوُوهُ، وَالْبَاغِيَ فَنَاوِئُوهُ. وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ مِنْ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ الَّتِي يَأْنَفُ مِنْ قَوْلِهَا الصِّبْيَانُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، فَيُقَالُ: إِنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ لَهُمْ: وَيَحَكُمُ! أَيْنَ كَانَ يُذْهَبُ بِعُقُولِكُمْ؟ إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إِلٍّ. وَكَانَ يَقُولُ: وَالْفِيلْ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلْ، لَهُ زَلُّومٌ طَوِيلْ. وَكَانَ يَقُولُ: وَاللَّيْلُ الدَّامِسْ، وَالذِّئْبُ الْهَامِسْ، مَا قَطَعَتْ أَسَدٌ مِنْ رَطْبٍ وَلَا يَابِسْ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ: لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بَيْنِ صِفَاقٍ وَحَشَا. وَأَشْيَاءُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ السَّخِيفِ الرَّكِيكِ الْبَارِدِ السَّمِجِ. وَقَدْ أَوْرَدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِهِ " إِعْجَازِ الْقُرْآنِ " أَشْيَاءَ مِنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ الْمُتَنَبِّئِينَ كَمُسَيْلِمَةَ وَطُلَيْحَةَ وَالْأَسْوَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>