كَثِيرًا، وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ مِنَ الْعَجَمِ، فَلَجَأُوا إِلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: خَنَافِسُ. فَسَارَ إِلَيْهِمْ أَبُو لَيْلَى بْنُ فَدَكِيٍّ السَّعْدِيُّ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِذَلِكَ سَارُوا إِلَى الْمُصَيَّخِ، فَلَمَّا اسْتَقَرُّوا بِهَا بِمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْأَعَاجِمِ وَالْأَعْرَابِ قَصَدَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُنُودِ، وَقَسَّمَ الْجَيْشَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، وَأَغَارَ عَلَيْهِمْ لَيْلًا وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَنَامَهُمْ، وَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إِلَّا الْيَسِيرُ، فَمَا شُبِّهُوا إِلَّا بِغَنَمٍ مُصَرَّعَةٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: انْتَهَيْنَا فِي هَذِهِ الْغَارَةِ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: حُرْقُوصُ بْنُ النُّعْمَانِ النَّمَرِيُّ. وَحَوْلَهُ بَنُوهُ وَبَنَاتُهُ وَامْرَأَتُهُ، وَقَدْ وَضَعَ لَهُمْ جَفْنَةً مِنْ خَمْرٍ وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا أَحَدَ يَشْرَبُ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَهَذِهِ جُيُوشُ خَالِدٍ قَدْ أَقْبَلَتْ؟ ! فَقَالَ لَهُمُ: اشْرَبُوا شُرْبَ وَدَاعٍ، فَمَا أَرَى أَنْ تَشْرَبُوا خَمْرًا بَعْدَهَا فَشَرِبُوا وَجَعَلَ يَقُولُ:
أَلَا فَاسْقِيَانِي قَبْلَ ثَائِرَةِ الْفَجْرِ ... لَعَلَّ مَنَايَانَا قَرِيبٌ وَلَا نَدْرِي
الْقَصِيدَةَ إِلَى آخِرِهَا. قَالَ: فَهَجَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَضَرَبَ رَجُلٌ رَأْسَهُ، فَإِذَا هُوَ فِي جَفْنَتِهِ، وَأُخِذَتْ بَنُوهُ وَبَنَاتُهُ وَامْرَأَتُهُ.
وَقَدْ قُتِلَ فِي هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ رَجُلَانِ كَانَا قَدْ أَسْلَمَا وَمَعَهُمَا كِتَابٌ مِنَ الصِّدِّيقِ بِالْأَمَانِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَهُمَا عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ أَبِي رِهْمِ بْنِ قِرْوَاشٍ، قَتَلَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ، وَالْآخَرُ لَبِيدُ بْنُ جَرِيرٍ قَتَلَهُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا بَلَغَ خَبَرُهُمَا الصِّدِّيقَ وَدَاهُمَا، وَبَعَثَ بِالْوَصَاةِ بِأَوْلَادِهِمَا، وَتَكَلَّمَ عُمَرُ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute