للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَلَّمَا جَاءَ مَحْصُورٌ بِخَيْرٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا اجْتَمَعُوا لِلْمَشُورَةِ فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسِيرِ إِلَى الرُّومِ، جَلَسَ الْأُمَرَاءُ لِذَلِكَ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أُعَمَّرُ حَتَّى أُدْرِكَ قَوْمًا يَجْتَمِعُونَ لِحَرْبٍ وَلَا أَحْضُرُهُمْ. ثُمَّ أَشَارَ أَنْ يَتَجَزَّأَ الْجَيْشُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَيَسِيرُ ثُلْثُهُ فَيَنْزِلُونَ تُجَاهَ الرُّومِ، ثُمَّ تَسِيرُ الْأَثْقَالُ وَالذَّرَارِيُّ فِي الثُّلْثِ الْآخَرِ، وَيَتَأَخَّرُ خَالِدٌ بِالثُّلْثِ الْآخِرِ، حَتَّى إِذَا وَصَلَتِ الْأَثْقَالُ إِلَى أُولَئِكَ سَارَ بَعَدَهُمْ، وَنَزَلُوا فِي مَكَانٍ تَكُونُ الْبَرِّيَّةُ مِنْ وَرَاءِ ظُهُورِهِمْ ; لِيَصِلَ إِلَيْهِمُ الْبُرُدُ وَالْمَدَدُ. فَامْتَثَلُوا مَا أَشَارَ بِهِ، وَنِعْمَ الرَّأْيُ هُوَ.

وَذَكَرَ الْوَلِيدُ عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ الرُّومَ نَزَلُوا فِيمَا بَيْنَ دَيْرِ أَيُّوبَ وَالْيَرْمُوكَ، وَنَزَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَأَذْرِعَاتُ خَلْفَهُمْ ; لِيَصِلَ إِلَيْهِمُ الْمَدَدُ مِنَ الْمَدِينَةِ.

وَيُقَالُ: إِنَّ خَالِدًا إِنَّمَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَمَا نَزَلَ الصَّحَابَةُ تُجَاهَ الرُّومِ، بَعْدَمَا صَابَرُوهُمْ وَحَاصَرُوهُمْ شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِكَمَالِهِ، فَلَمَّا انْسَلَخَ وَأَمْكَنَ الْقِتَالُ لِقِلَّةِ الْمَاءِ، بَعَثُوا إِلَى الصِّدِّيقِ يَسْتَمِدُّونَهُ، فَقَالَ: خَالِدٌ لَهَا. فَبَعَثَ إِلَى خَالِدٍ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، فَعِنْدَ وُصُولِ خَالِدٍ إِلَيْهِمْ أَقْبَلَ بَاهَانُ مَدَدًا لِلرُّومِ، وَمَعَهُ الْقَسَاقِسَةُ، وَالشَّمَامِسَةُ وَالرُّهْبَانُ، يَحُثُّونَهُمْ وَيُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ لِنَصْرِ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَتَكَامَلَ جَيْشُ الرُّومِ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ ; ثَمَانُونَ أَلْفَ مُسَلْسَلٍ بِالْحَدِيدِ وَالْحِبَالِ، وَثَمَانُونَ أَلْفَ فَارِسٍ وَثَمَانُونَ أَلْفَ رَاجِلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>