للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَايَةَ أَفْرِيدُونَ، وَتُسَمَّى دِرَفْشَ كَابْيَانَ، وَكَانَتِ الْفُرْسُ تَتَيَمَّنُ بِهَا، وَحَمَلُوا مَعَهُمْ رَايَةَ كِسْرَى، وَكَانَتْ مِنْ جُلُودِ النُّمُورِ، عَرْضُهَا ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ، فَوَصَلُوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمُ النَّهْرُ، وَعَلَيْهِ جِسْرٌ، فَأَرْسَلُوا: إِمَّا أَنْ تَعْبُرُوا إِلَيْنَا وَإِمَّا أَنْ نُعْبُرَ إِلَيْكُمْ. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لِأَمِيرِهِمْ أَبِي عُبَيْدٍ: مُرْهُمْ فَلْيَعْبُرُوا هُمْ إِلَيْنَا. فَقَالَ: مَا هُمْ بِأَجْرَأَ عَلَى الْمَوْتِ مِنَّا. ثُمَّ اقْتَحَمَ إِلَيْهِمْ، فَاجْتَمَعُوا فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ فَالْتَقَوْا هُنَالِكَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ، وَالْمُسْلِمُونَ فِي نَحْوٍ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ، وَقَدْ جَاءَتِ الْفُرْسُ مَعَهُمْ بِأَفْيِلَةٍ كَثِيرَةٍ، عَلَيْهَا الْجَلَاجِلُ وَالنَّخْلُ قَائِمَةً لِتَذْعَرَ خُيُولَ الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلُوا كُلَّمَا حَمَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَرَّتْ خُيُولُهُمْ مِنَ الْفِيَلَةِ، وَمِمَّا تَسْمَعُ مِنَ الْجَلَاجِلِ الَّتِي عَلَيْهَا، وَلَا يَثْبُتُ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ عَلَى قَسْرٍ، وَإِذَا حَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ لَا تُقْدِمُ خُيُولُهُمْ عَلَى الْفِيَلَةِ، وَرَشَقَتْهُمُ الْفُرْسُ بِالنَّبْلِ، فَنَالُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَقَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ مَعَ ذَلِكَ سِتَّةَ آلَافٍ، وَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوا الْفِيَلَةَ أَوَّلًا، فَاحْتَوَشُوهَا فَقَتَلُوهَا عَنْ آخِرِهَا، وَقَدْ قَدَّمَتِ الْفُرْسُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فِيلًا عَظِيمًا أَبْيَضَ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدٍ فَضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ زَلُّومَهُ، فَحَمِيَ الْفِيلُ وَصَاحَ صَيْحَةً هَائِلَةً وَحَمَلَ عَلَيْهِ، فَتَخَبَّطَهُ بِرِجْلِهِ فَقَتَلَهُ وَوَقَفَ فَوْقَهُ، فَحَمَلَ عَلَى الْفِيلِ خَلِيفَةُ أَبِي عُبَيْدٍ الَّذِي كَانَ أَوْصَى أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا بَعْدَهُ فَقُتِلَ، ثُمَّ آخَرُ، ثُمَّ آخَرُ، حَتَّى قُتِلَ سَبْعَةٌ مِنْ ثَقِيفٍ كَانَ قَدْ نَصَّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَيْهِمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ بِمُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ أَيْضًا، وَقَدْ كَانَتْ دَوْمَةُ امْرَأَةُ أَبِي عُبَيْدٍ رَأَتْ مَنَامًا يَدُلُّ عَلَى مَا وَقَعَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>