وَقَدْ زَيَّنُوا مَجْلِسَهُ بِالنَّمَارِقِ الْمُذَهَّبَةِ وَالزَّرَابِيِّ الْحَرِيرِ، وَأَظْهَرَ الْيَوَاقِيتَ وَاللَّآلِئَ الثَّمِينَةَ، وَالزِّينَةَ الْعَظِيمَةَ، وَعَلَيْهِ تَاجُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْتِعَةِ الثَّمِينَةِ، وَقَدْ جَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَدَخَلَ رِبْعِيٌّ بِثِيَابٍ صَفِيقَةٍ وَسَيْفٍ وَتُرْسٍ وَفَرَسٍ قَصِيرَةٍ، وَلَمْ يَزَلْ رَاكِبَهَا حَتَّى دَاسَ بِهَا عَلَى طَرَفِ الْبُسَاطِ، ثُمَّ نَزَلَ وَرَبَطَهَا بِبَعْضِ تِلْكَ الْوَسَائِدِ، وَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ سِلَاحُهُ وَدِرْعُهُ وَبَيْضَةٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالُوا لَهُ: ضَعْ سِلَاحَكَ. فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكُمْ، وَإِنَّمَا جِئْتُكُمْ حِينَ دَعَوْتُمُونِي، فَإِنْ تَرَكْتُمُونِي هَكَذَا وَإِلَّا رَجَعْتُ. فَقَالَ رُسْتُمُ: ائْذَنُوا لَهُ. فَأَقْبَلَ يَتَوَكَّأُ عَلَى رُمْحِهِ فَوْقَ النَّمَارِقِ فَخَرَّقَ عَامَّتَهَا، فَقَالُوا لَهُ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُ ابْتَعَثْنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سِعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ، فَأَرْسَلَنَا بِدِينِهِ إِلَى خَلْقِهِ لِنَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَبِلَ ذَلِكَ قَبِلْنَا مِنْهُ وَرَجَعْنَا عَنْهُ، وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ أَبَدًا حَتَّى نُفْضِيَ إِلَى مَوْعُودِ اللَّهِ. قَالُوا: وَمَا مَوْعُودُ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجَنَّةُ لِمَنْ مَاتَ عَلَى قِتَالِ مَنْ أَبَى، وَالظَّفَرُ لِمَنْ بَقِيَ. فَقَالَ رُسْتُمُ: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكُمْ، فَهَلْ لَكَمَ أَنْ تُؤَخِّرُوا هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى نَنْظُرَ فِيهِ وَتَنْظُرُوا؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ؟ أَيَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ حَتَّى نُكَاتِبَ أَهْلَ رَأْيِنَا وَرُؤَسَاءَ قَوْمِنَا. فَقَالَ: مَا سَنَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُؤَخِّرَ الْأَعْدَاءَ عِنْدَ اللِّقَاءِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، فَانْظُرْ فِي أَمْرِكَ وَأَمْرِهِمْ، وَاخْتَرْ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ بَعْدَ الْأَجَلِ. فَقَالَ: أَسَيِّدُهُمُ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمُونَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ يُجِيرُ أَدْنَاهُمْ عَلَى أَعْلَاهُمْ. فَاجْتَمَعَ رُسْتُمُ بِرُؤَسَاءِ قَوْمِهِ، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتُمْ قَطُّ أَعَزَّ وَأَرْجَحَ مِنْ كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ؟ فَقَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ أَنَّ تَمِيلَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَتَدَعَ دِينَكَ لِهَذَا الْكَلْبِ! أَمَا تَرَى إِلَى ثِيَابِهِ؟ ! فَقَالَ: وَيْلَكُمْ لَا تَنْظُرُوا إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute